كلوديا هاموند –
هل تريد أن تنقص وزنك؟ لا توجد في الواقع طريقة واحدة مضمونة وأكيدة لتحقيق ذلك.
يتطلع عدد كبير من الناس إلى طريقة خارقة تجعلهم في وضع صحي أفضل، يتمتعون فيه بجسد أنحف وأكثر لياقة. وبالطبع، نريد أن تكون تلك الطريقة سهلة ولا تنطوي على كثير من الحرمان.
نحن متفائلون على الدوام، ونعتقد أننا سنكون في وضع أفضل في المستقبل. كما أننا نقع ضحايا لمغالطة التخطيط، معتقدين أن بإمكاننا بناء مطبخ جديد مثلا خلال عطلة نهاية الأسبوع، أو إكمال مشروع للعمل في ساعات ما بعد الظهيرة، ونعتقد أننا سنكون في المستقبل أكثر تنظيماً وأشد انضباطاً.
إحدى أشهر مغالطات التخطيط هذه نجدها في التجربة التي مر بها قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية. ففي عام 1860 وضعت الخطط لإكمال القاموس خلال ثلاث سنوات فقط.
ثم في عام 1879 كانت هناك خطة جديدة لنشر القاموس خلال عشر سنوات، ولكن بعد خمس سنوات من العمل، لم يتمكن القائمون عليه من الانتهاء من أول حرف أبجدي فيه. وقد اكتمل القاموس في نهاية الأمر في عام 1928، وهو الوقت الذي اعتبر القاموس فيه غير مواكب للتطور، وشرع فوراً في مراجعته.
الشيء ذاته يحدث عندما نحاول تغيير أسلوب حياتنا. فنحن نقرأ عن أن التفاؤل من شأنه إشعال الحماس للبدء من جديد. في المثال التالي سينجح الأمر بالتأكيد. ففي جامعة تورنتو، تدرس الباحثة جانيت بوليفي ما تسميه “متلازمة الأمل الزائف”.
وقد توصلت إلى أن الذين يضعون لأنفسهم أهدافاً غير واقعية يخفقون حتماً في تحقيقها، مما يتركهم يشعرون باستياء كبير تجاه أنفسهم.
وقد حاول بعض الطلاب الذين أخضعتهم بوليفي للدراسة تغيير حياتهم، لكنهم فشلوا لعشر سنوات متوالية في إحداث نفس التغييرات المرغوبة في حياتهم، لكن في كل عام كانوا مقتنعين بأنهم سينجحون في المرة التالية.
وفيما يتعلق بنظام الغذاء، كان بعضهم قد بدأ نظاماً يستغرق 15 أسبوعاً كل عام. ولم يكونوا فقط متفائلين بفرص نجاحهم، ولكن لم يتفاءلوا أيضا بالفرق الذي سيحدثه إنقاص وزنهم في حياتهم عموما.
ولم يعتقد الطلاب كذلك أنهم سيقيمون علاقات جديدة مع الجنس الأخر، أو يعثرون على عمل أفضل ويحصلون على درجات أفضل في المواد الدراسية. وحتى عندما نجحوا في إنقاص وزنهم بشكل كبير، أصيبوا بخيبة أمل كبيرة من أن حياتهم لم يطرأ عليها أي تحسن بشكل عام. ويعود ذلك إلى الشعور بالإحباط من عدم تحقيق مثل هذه الأهداف.
أحياناً تكون الأهداف التي نضعها لأنفسنا كبيرة جداً. وقد توصلت بوليفي إلى أن من قرر أن يذهب إلى صالة الألعاب الرياضية من هؤلاء الطلاب مرتين في الأسبوع، ثم ذهب لمرة واحدة في بعض الأحيان، فسيصاب بخيبة أمل، مع أن ذلك يعتبر تحسناً كبيراً مقارنة بما اعتاده في السابق من عدم الذهاب للتريض من الأساس.
لم يعتبر أولئك الأشخاص ممارسة التمارين الرياضية مرة واحدة في الأسبوع تحسناً كبيراً، ولكن اعتبروها دليلاً على الإخفاق.
وعندما حددت بوليفي قدراً معقولاً من الوزن المطلوب إنقاصه لاختبار نظرياتها، وجدت أنه إذا وضع المشاركون في الدراسة لأنفسهم أهدافاً معقولة فإن العديد منهم نجح فعلاً في إنقاص وزنه، وبالتالي شعروا بالرضا من تلك النتائج التي حققوها.
أحد الأسباب التي تجعل الالتزام بنظام غذائي واحد أمراً صعباً هو أن الطعام الذي تتركز فيه الدهون والسكريات يكون طيب المذاق. لقد انجذب البشر إلى هذه الأنواع من الأطعمة منذ آلاف السنين دون أن نعرف ما إذا كانت ستصبح نادرة في المستقبل، وهي بالطبع متوفرة الآن للناس في العديد من أنحاء العالم.
لكن مقولة خبراء التغذية عن ضرورة “تناول طعام أقل، وممارسة أكثر للرياضة”، لم تتغير منذ عشرات السنين، لكن ذلك لا يجعل الالتزام بها أمراً سهلاً، وهو السبب في رغبتنا الكبيرة في الإقدام على أي شيء من شأنه مساعدتنا على الالتزام بها.
وتكمن المشكلة في صعوبة التنبؤ بأنه يمكن الالتزام بنظام غذائي محدد على المدى البعيد. أنظر إلى الصرعات الجديدة التي تدور في نفوس الناس فيما يتعلق بالالتزام بأحد تطبيقات الهاتف الخاصة بالمتابعة الذاتية للأنشطة اليومية التي من شأنها تحسين وضعنا الصحي.
لقد قمت بتحميل تطبيق إلكتروني على هاتفي قبل أسبوعين يتيح لي حساب عدد الخطوات التي أخطوها.
وقد شعرت بالسعادة والرضا لوصولي إلى الحد اليومي المرغوب، وهو 10 ألاف خطوة، وظهرت لي على شاشة الهاتف قصاصات ورق خضراء تتساقط من السماء احتفالاً بوصولي إلى هذا الهدف. ورغم ذلك، أعترف بأنني أعدت ضبط الخطوات المستهدفة في ذلك البرنامج لتصبح 9 ألاف خطوة يومياً، لأن المحافظة على ذلك كل يوم أصعب مما توقعت، خصوصاً في شتاء بريطانيا الممطر.
الآن أعرف ما إذا كنت قد مشيت المسافة الكافية أم لا، رغم أنني لا أستطيع مقاومة النظر باستمرار إلى شاشة الهاتف.
وبحلول عام 2013، أصبح هناك شخص واحد من بين كل خمسة بالغين في الولايات المتحدة يستعمل نوعاً ما من أجهزة المتابعة الذاتية للأنشطة الصحية. وبحلول 2018، يتوقع أن يرتدي 485 مليون شخص حول العالم نوعاً ما من أجهزة حساب عدد الخطوات تلك.
إن حساب عدد الخطوات يجعلك تمشي لمسافة أكبر من المعتاد. وقد أثبتت دراسة أجرتها جامعة ديوك الأمريكية أن إخبار الناس بعدد الخطوات التي مشوها، والصفحات التي قرأوها، وكم لوناً في ملابسهم، على سبيل المثال لا الحصر، يجعلهم يمشون أكثر، ويقرأون أكثر، ويزيدون من عدد الألوان في ملابسهم.
لكن توجد مشكلة أخرى، ففي تلك الدراسة عُرض على الطلاب خيارا لاستخدام عداد الخطوات ذلك. وطلب من نصفهم فقط مراقبته بانتظام، بينما طلب من النصف الآخر وضع شريط لاصق على العداد لكي لا يتمكنوا من رؤية عدد الخطوات.
كانت النتيجة هي أن الأشخاص الذين كانوا يقرأون بانتظام عدد الخطوات التي مشوها، قطعوا بالفعل عدداً أكبر من الخطوات، بل وزادوا عن العدد المحدد، لكنهم لم يستمتعوا كثيراً بالمشي.
وعندما جرى قياس عدد الصفحات التي يقرؤها الطلاب المهتمون بالقراءة في تلك الدراسة، توصل الباحثون إلى أنه بمجرد اختفاء عداد الصفحات من أمامهم، قرأ الطلاب عدداً أقل من الصفحات.
لم يفحص الباحثون الاستعمال طويل المدى لعداد الخطوات ذلك، لكن هناك خشية من أنك إذا بدأت تنظر إلى المشي على أنه عمل أو وظيفة وليس متعة، فإنك على المدى البعيد ستمشي أقل من المعتاد.
فقد المشي دافعه الرئيسي، تماماً كما حدث في تجربة السبعينيات عندما دُفع للأطفال مالا لتشجيعهم على حل بعض الألغاز أو تلوين بعض الصور. وبمجرد أن كانت هناك فترة توقف عن ذلك النهج، توقف الأطفال كذلك عن متابعة تلك الأنشطة، بينما واصل الأطفال الذين لم يُدفع لهم المال الاستمتاع بتلك الأنشطة.
لا يوجد في الوقت الراهن حل سحري. لكن تجريب خطط جديدة باستمرار قد يكون له ميزة، إذا كنا لا نصاب بخيبة أمل كبيرة في حالة الفشل. ربما كنا قادرين على تغيير عادة معينة لدينا.
في جامعة هيرتفوردشير، اختبر الباحثان كارن باين وبن فليتشر نظاماً غذائياً لا يقوم على ممارسة التمارين أو الامتناع عن أطعمة معينة، ولكنه يركز على مطالبة الناس القيام بشيء مختلف كل يوم.
وقد اختبر ذلك النظام بناء على بحث يظهر أن ذوي الوزن الزائد يكونون في المتوسط أقل مرونة من الأخرين. فهم يحافظون على أداء أشياء روتينية أكثر من غيرهم. وهكذا كان الحل لديهما يتمثل في إدخال أمور منوعة على ذلك النظام الغذائي.
فعلى سبيل المثال، يختار الناس في كل أسبوع اثنين من الأنشطة الجديدة من قائمة تضم 50 نشاطاً تتراوح ما بين الرسم وسلوك طريق مختلف عند التوجه إلى العمل، أو مجرد تغيير محطات الإذاعة.
كانت الفكرة هي كسر العادات اليومية، وقد بدأ المشاركون دون أن يلاحظوا ذلك بالضرورة، يأكلون أطعمة ذات سعرات حرارية أقل، ويمارسون تمارين رياضية أكثر.
على نطاق تجربة صغيرة، كان ذلك مجدياً. في عام 2014، اقتبس الباحثون في فنلندا فكرة المرونة تلك في النظام الغذائي، وجربوا نظاما يتبع فيه الناس قواعد مشددة فيما يتعلق بالسعرات الحرارية لمدة سبعة أسابيع، تتبعها فترة يكون لهم فيها حرية أكبر في تناول الطعام.
لقد ساعد ذلك الناس على الحفاظ على وزنهم على المدى البعيد.
لذلك ربما كنا نحتاج إلى عدم الخوف من محاولة اتباع أساليب جديدة في تعويد أنفسنا على تناول كميات أقل من الطعام، وممارسة الرياضة بشكل أكثر، مع الحفاظ على قدر من التفاؤل وتقبل حقيقة أنه لا يوجد حل سحري للتخلص من الوزن الزائد.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي
اضف تعليق