شمس الدين النقاز-
قد تندمون يوم لا ينفع الندم، الّذي بيته من زجاج لا يرجم الناس بالحجارة، من أنتم؟ دقت ساعة العمل، دقت الساعة الزحف، دقت ساعة الإنتصار، لا رجوع إلى الإمام إلى الإمام إلى الإمام ثورة ثورة !!، كانت هذه كلمات الزعيم الليبي معمّر القذافي في أحد أشهر خطاباته في أوّل الثورة الليبيّة، وذلك بعد أن بدأت جموع الليبيين الغاضبة بالخروج عليه والدعوة إلى الإصلاح والحرّيّة ومحاربة الفساد.
ربّما يتعجّب بعض القرّاء عند قراءة هذه الكلمات، وربّما سيتساءلون أيضا عن سبب اختيارنا لهذه الجمل القصيرة الّتي ختم بها العقيد معمّر القذّافي خطابه في 23 من شهر فبراير عام 2011 تحديدا.
في الحقيقة لم يكن هذا الإختيار عشوائيا، فبعد 5 سنوات من خطاب القذافي، اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرّتين متتاليتين أنّه ندم على قراره بالتدخّل العسكري في ليبيا عام 2011، وذلك خلال حواريه المتتاليين مع كلّ من مجلّة “ذي أتلانتيك” وقناة “فوكس نيوز” الأمريكيتين.
ففي العاشر من شهر مارس/آذار الماضي، انتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة نشرتها مجلة “ذي أتلانتك” الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بشأن حملة الإطاحة بالنظام الليبي في 2011، وقال أوباما إنّ “ليبيا غرقت في الفوضى”، مضيفا “عندما أتساءل لماذا ساءت الأمور، أدرك أني كنت أثق بأن الأوروبيين، بفعل قربهم من ليبيا، سيكونون أكثر انخراطا في متابعة “الوضع بعد التدخل.”
وبعد شهر بالتمام والكمال، وخلال مقابلته الّتي أجراها مع قناة “Fox News” الأحد 10 أبريل، اعترف الرئيس الأمريكي بأن أسوأ خطأ ارتكبه “على الأرجح” كان عدم وضع خطة لمتابعة الوضع في ليبيا بعد التدخل العسكري في 2011 والذي أدى إلى سقوط نظام معمر القذافي، وهو ما أجبرنا على التساؤل حول جديّة هذا الإعتراف الّذي يعني أحد أمرين: فإمّا صراحة أوباما وإمّا مواصلة الضحك على الشعب الأمريكي والشعوب العربية والمضيّ قدما في قيادة المؤامرات.
اعترافات الرئيس أوباما جاءت بعد اتفاق بين الفرقاء الليبيين على تشكيل حكومة توافقيّة تقود البلاد بموجب اتفاق سلام وقعه برلمانيون ليبيون في ديسمبر/كانون الأول الماضي برعاية الأمم المتحدة، وذلك بعد حوالي عامين من الحرب الأهليّة الطاحنة الّتي أحرقت الأخضر واليابس في المناطق الّتي طالتها.
هذا الإتفاق الليبي الّذي أسفر عن حكومة يرأسها فائز السراج جاءت هي الأخرى في وقت عصيب تمرّ به المنطقة بأسرها وعلى رأسها ليبيا، بسبب انتشار الجماعات المسلّحة على كامل التراب الليبي بالإضافة إلى انتشار الملايين من قطع السلاح والحرب المعلنة بين الجماعات الجهاديّة والدولة الليبيّة في مدن بنغازي وسرت ودرنة الليبية والّتي تقودها التنظيمات التالية “الدولة الإسلاميّة” “أنصار الشريعة الليبية” “مجلس شورى مجاهدي درنة”.
موجة العنف غير المسبوقة في ليبيا وخروج مناطق متفرّقة عن سيطرة الدولة وتمدّد الجماعات المسلّحة داخليّا، بالإضافة إلى الأزمة السياسية العاصفة بالبلاد طيلة عامين، ودخول أطراف إقليميّة لتأجيج الصراع، منع الدول الغربيّة من مواصلة تنفيذ خططها الإستعماريّة وتدمير المنطقة العربيّة بعد أن عجزوا عن إقرار التدخل العسكري في ليبيا لعدم وضوح الراية وغياب النصوص التشريعيّة القانونيّة الواضحة في ظلّ هذه الأوضاع
هذه الأسباب وغيرها عجّلت بتشكيل حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليّا برئاسة فائز السرّاج والّتي بدأت نهاية شهر مارس الماضي مباشرة مهامها من العاصمة طرابلس ثمّ أعقب ذلك إعلان حكومة المؤتمر الوطنى العام التي يتزعمها رئيس الوزراء خليفة غويل، عن تقديم استقالتها في مشهد يؤكّد أنّ قوى إقليميّة فرضت سلطتها على الأرض.
المصالحة بين الفرقاء الليبيين الّتي اكتملت، بدأ بعدها فصل جديد من الدراما “التدميريّة” بعنوان “مزيد من الخراب ستشهده البلاد” برعاية الولايات المتحدة الأمريكيّة وإيطاليا وفرنسا وبعض أشقّاء الشعب الليبي من العرب، ففي أوّل كلمة له من داخل العاصمة طرابلس، قال رئيس الحكومة فائز السراج إن الحكومة ستعمل بمساندة الجميع على بناء دولة المؤسسات والقانون وتوحيد جهود الليبيين لمواجهة خطر “داعش” والعمل على وقف إطلاق النار بجميع أنحاء البلاد، ووقف سفك دماء الليبيين.
حديث السراج كان منتظرا ومتوقّعا في نفس الوقت، وذلك بعد أن شرح الخبراء والمحللون والباحثون باستفاضة الواقع الجديد، حيث أنّ تشكيل الحكومة الليبية التوافقية الجديدة سيعجّل بتدخّل عسكري، بل وذكرت مصادر دبلوماسية غربية مطلعة أن التدخل العسكري الأطلسي في ليبيا بات وشيكا بعد أن توفرت جميع شروطه لاسيّما وجود حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والمنتقلة حديثا للإستقرار بطرابلس.
وكانت قوى غربية منذ مدة تروّج للتدخل العسري في ليبيا لمحاربة الإرهاب، لكنها كانت تفتقد وفقا لما قدمته من مبررات إلى حد الآن، إلى وجود جهة حكومية شرعية يمكنها طلب الإستفادة من قرار دولي يجيز مساعدتها بالقوة المسلحة ضد أي خصم لها يعرقل مهامها للسيطرة على الحكم في ليبيا.
هذا الشرط الأساسي للتدخل العسكري في ليبيا تحقّق على أرض الواقع، حيث تشكّلت الحكومة التوافقيّة وسيطرت على العاصمة طرابلس، وتلقّت التأييدات الواسعة داخليّا وخارجيّا من مختلف الأطراف، وهو ما يضعها أمام طريق مفتوح لطلب التدخل العسكري الغربي.
التدخّل العسكري الغربي في ليبيا يضع لمساته الأخيرة، وقد نقلت بعض التقارير الإعلامية الغربيّة عن مصادر مطّلعة أنّ مهندسي القيادة الأميركية في أفريقيا يضعون في الوقت الراهن عشرات الأهداف الليبية التي يمكن أن تستهدفها الطائرات الحربية الأمريكية أو الأوروبية، حيث تتراوح الأهداف من مدينة سرت، حيث يتواجد تنظيم “الدولة الإسلاميّة” ومدينة “درنة” الّتي يسيطر عليها “مجلس شورى مجاهدي درنة” الموالي لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى مدينة بنغازي الّتي يتواجد فيها تنظيم “أنصار الشريعة” الليبيّ بقوّة وبعض الجيوب التابعة لتنظيم الدولة.
من المؤكّد أنّ هذا التدخّل العسكري الأجنبي إذا ما كتب له التطبيق على أرض الواقع، سيزيد من أوجاع الليبيين ودمار وطنهم وقد حذّر من ذلك كبار الخبراء والباحثين في العالم، كما ستعتري مثل هذه المهام العسكريّة صعوبات بينها التوترات بين الميليشيات التي تأمل الدول الغربية في أن تشكل جبهة موحدة ضد الجماعات الجهاديّة، فضلا عن تردد بعض الدول الأوروبية وحتّى المتوسطية منها، في الإنغماس مجددا في غمار فوضى ليبيا.
في نهاية المطاف لا يمكننا إلّا أن نقول إنّ ليبيا في منعرج خطير جدّا ولا أحد يعلم ماذا يخفي المستقبل لليبيين وللمنطقة بأسرها، لكنّنا في الوقت نفسه متأكّدون من أنّ فشل أيّ عمليّة عسكريّة غربيّة في ليبيا سيعصف بأمن أسرها وبدون استثناء ووقتها لن يفيد خليفة أوباما الإعتراف بالذّنب بل لن يفيد حلفاؤه الّذين سيوافقون على تدمير أوطاننا وبلداننا لا القلق ولا الأرق بعد أن أغرقونا في الفوضى الخلّاقة الّتي لا يعلم أحد نهايتها ونتائجها، ومحقّقين بذلك نبوءة القذّافي بأنّهم سيندمون يوم لا ينفع الندم
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي