التدخل الروسي في سوريا أهدافه ونتائجه

خلال الشهور الستة الأخيرة يجري التدخل الروسي في سوريا وقد رافقته العديد من التساؤلات على الساحة الدولية سواء لجهة الدوافع التي حدت بروسيا للتدخل أو لجهة نتائجه. وقد شكلت هذه الخطوة الروسيّة مفاجأة عند البدءِ بها، ومفاجأة عند نهايتها، وأحدثت هزة في العلاقات الدولية، وأعادت خلط أوراق اللاعبين المتورطين في الأزمة السورية، وخلقت واقعاً إستراتيجياً جديداً في منطقة الشرق الأوسط، الذي سيكون له تداعياته على الساحة الدولية برمتها. وإسرائيل تتأثر بهذه التداعيات أيضاً، وذلك في ظل التغييرات التي ستطال مختلف مراكز القوى في سوريا وفي لبنان، والتي ستتطلب التعامل معها والاستعداد بما ينسجم مع ذلك.
خلال الشهور الستة الأخيرة يجري التدخل الروسي في سوريا (وهو التدخل الذي بدأ، وفق ما هو معلن رسمياً، في آخر شهر أيلول / سبتمبر 2015 وانتهى في آذار / مارس من هذا العام، إلاّ أنه مازال متواصلاً)، وقد رافقته العديد من التساؤلات على الساحة الدولية سواء لجهة الدوافع التي حدت بروسيا للتدخل أو لجهة نتائجه. وقد شكلت هذه الخطوة الروسيّة مفاجأة عند البدءِ بها، ومفاجأة عند نهايتها، وأحدثت هزة في العلاقات الدولية، وأعادت خلط أوراق اللاعبين المتورطين في الأزمة السورية، وخلقت واقعاً إستراتيجياً جديداً في منطقة الشرق الأوسط، الذي سيكون له تداعياته على الساحة الدولية برمتها. وإسرائيل تتأثر بهذه التداعيات أيضاً، وذلك في ظل التغييرات التي ستطال مختلف مراكز القوى في سوريا وفي لبنان، والتي ستتطلب التعامل معها والاستعداد بما ينسجم مع ذلك. وهذه العملية موجودة، في اللحظة التي نناقش فيها هذه الأمور، في أوجها. لذلك فإنه لا يزال من الصعب تقدير مجمل التأثيرات المحتملة، ومن المؤكد أنه لا يزال من المبكر إجمالها.
الدوافع التي وقفت وراء القرار

يمكن أن نرى في القرار الروسي المستفز للتدخل في الحرب الأهلية في سوريا كبحث عن سبيل للإفلات من الحصار الذي شعرت روسيا بأنها تعاني منه وللخروج من أزمتها. فروسيا كانت تمر في فترة غير بسيطة، وقد تعاظمت مؤخراً جملة التحديات التي تجب عليها مواجهتها. وهذه التحديات موجودة سواء على الصعيد الدولي، حيث تبرز من بينها الأزمة الأوكرانية التي تفاقم من حدة المواجهة الروسيّة الغربية، وسواء على الصعيد الإقليمي في الشرق الأوسط، الذي تترافق التطورات فيه بأمور عديدة من بينها زيادة خطر التحدي الذي يشكله الإسلام المتطرف بالنسبة لروسيا. وسواء على الصعيد الداخلي أيضاً حيث تتعاظم الأزمة الاقتصادية وتزداد المؤشرات التي تعكس احتمال تقويض استقرار الحكم.
فعلى الصعيد الدولي تنظر روسيا إلى سياسة الغرب حيالها بوصفها تحدٍ يهدف إلى تقييد طموحاتها في العودة إلى مكانة الدولة العظمى. وتوجه روسيا أصبع الاتهام باتجاه الغرب وتتهمه بأنه يتحداها على الصعيدين السياسي والأمني. فعلى الصعيد السياسي تدعي روسيا أن الدول الغربية تحاول تقويض استقرارها الداخلي والحد من نفوذها في الفضاء السوفييتي السابق وذلك عن طريق تشجيع الدول التي كانت تشكل في وقت مضى جزءاً من الإتحاد السوفييتي على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإلى الإتحاد الأوروبي.
أما على الصعيد الأمني فإن روسيا قلقة من نشر الأسلحة المتطورة، في شرق أوروبا، والتي بوسعها تحييد القدرات الإستراتيجية الروسيّة. وخلال الفترة الأخيرة، وبخاصة على خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا وتداعياتها على روسيا، صلبت الأخيرة من مواقفها على الساحة الدولية وتبنت سياسة حازمة هدفها تحسين مكانتها فيها، وبخاصة عن طريق استخدام المناورات بين الدول والمصالح المختلفة وسياسة المراوغة. وهذا كتعويض عن قدراتها المحدودة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري. وفي مقابل ذلك فإن دول الغرب ترى في السلوك الروسي على الساحة الدولية، بشكل عام، وفي المناطق التي تعاني من الأزمات في شرق أوروبا وفي الشرق الأوسط، بشكل خاص، تهديداً جدياً لها. لذلك، هي تبحث عن سبل لردع روسيا ولجم طموحاتها الجيو – سياسية.
ويجب أن نرى الرد الغربي على تدخل روسيا في أوكرانيا، في هذا الإطار. وبهدف لجم روسيا والضغط عليها لوقف تدخلها، قامت الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، بفرض عقوبات اقتصادية عليها. وهذه العقوبات هي عقوبات انتقائية وموجهة ضد مسؤولين اقتصاديين وكبار المسؤولين الذين لهم دور في إدارة الأزمة الأوكرانية. وتضغط العقوبات، بالإضافة إلى أسعار النفط المتدهورة، على الاقتصاد الروسي وتهدد بتقويض الاستقرار السياسي في روسيا.
وعلى صعيد الشرق الأوسط فإن روسيا لاعب قديم في المنطقة، وهذا ليس أول تدخل لها فيها. وقد زاد النشاط الروسي في الشرق الأوسط، في الفترة الأخيرة، بشكل كبير. وهذا أيضاً كرد على تأثيرات أحداث “الربيع العربي” ونتائجها عليها. حيث أدت هذه الأحداث إلى إبعاد روسيا من المنطقة، وحتى إلى ظهور بوادر تهديدات الإسلام المتطرف على أراضيها. وقد تصرفت روسيا مؤخراً بنجاح وسجلت العديد من الإنجازات الحقيقية لجهة تحسين مكانتها، التي كانت قد اهتزت، وترسيخها. ووضعت روسيا نفسها في موقع اللاعب الإقليمي المؤثر وذلك من خلال المناورة بين اللاعبين المحليين، وتدخلها في العديد من الأزمات الإقليمية. وإلى جانب تعميق التعاون مع كل من إيران وسوريا فإنه تم تطوير العلاقات مع عدد من الدول السنية (مصر والعربية السعودية ودول الخليج والأردن).
وبهذه الطريقة يمكن تحليل أهداف القرار الروسي بالتدخل عسكرياً في الحرب في سوريا. فبالإضافة إلى تطلعها إلى لجم “داعش” التي تشكل تحدياً مباشراً لها، إلى جانب رغبتها في الحفاظ على تواجدها العسكري في سوريا (التي بقيت معقلها الأخير في منطقة الشرق الأوسط وعلى البحر الأبيض المتوسط بالذات) وحتى ترسيخه، تطلعت روسيا إلى توطيد مكانتها على نحو يمكنها من التأثير على صياغة نظام إقليمي مستقبلي وفق صيغة تناسب المصالح الروسيّة. وعليه فإن خطة التدخل هدفت، إلى جانت عملية إنقاذ نظام الأسد التي يتم تنفيذها تحت غطاء محاربة “داعش”، هدفت إلى إطلاق عملية سياسية تفسح المجال أمام بلورة اتفاق جديد في سوريا، وتالياً، في الشرق الأوسط برمته. وجاء الجهد الروسي لترسيخ التواجد وتحقيق النفوذ الإقليمي، جاء بهدف تحقيق النفوذ على الساحة الدولية، وهو النفوذ الذي يُكسب روسيا أوراق مساومة في المواجهة مع الغرب وتحقيق حل متوازٍ سواء في الشرق الأوسط أو في شرق أوروبا.

ويكمن الإيجاز والقول إن قرار روسيا بالتدخل عسكرياً في سوريا يخدم تطلعها للتخلص من الضغوط الممارسة عليها ومواجهة تحدياتها على ثلاث صعد في آن معاً:
1- على الصعيد الدولي: كوسيلة لكسر الحصار والإفلات من الأزمة التي دخلت فيها، من خلال نقل بؤرة المواجهة مع الغرب إلى منطقة الشرق الأوسط. وهذا بهدف تحدي الغرب وتحسين مكانة روسيا بوصفها دولة عظمى ذات تأثير على الساحة الدولية.
2- على الصعيد الإقليمي: علاوة على مواجهة تحدي الإسلام المتطرف، يساهم التدخل العسكري في الحفاظ على تواجد روسيا العسكري في سوريا إلى جانب ترسيخ مكانتها في المنطقة، وهذا بهدف الاستفادة منه لجهة الدفع باتجاه تحقيق أهدافها على الساحة الدولية وذلك عن طريق أمور عديدة منها دفع الولايات المتحدة إلى خارج المنطقة.
3- على الصعيد الداخلي: يساعد هذا التدخل على حرف انتباه الجمهور الروسي عن المشاكل الداخلية إلى التحديات الخارجية. ويهدف تحسين المكانة الإقليمية التي ستحصل عليها روسيا في الشرق الأوسط، من بين أمور عديدة، إلى المساعدة في إلغاء العقوبات الاقتصادية المطبقة عليها، والعمل عن طريق ذلك على ترميم الاستقرار الداخلي.
لقد جاءت خطة التدخل في سوريا بهدف وضع حلول لعدد من التحديات معاً: لتقديم المساعدة للرئيس السوري بشار الأسد ضد القوى التي تحاول السيطرة على سوريا، والتي كادت أن تتغلب عليه; وللحرب ضد “داعش” التي تجري في إطارها مواجهة بين اللاعبين الإقليمين (إيران وتركيا والعربية السعودية ومؤيديهم) من أجل الهيمنة الإقليمية; ولتدخل القوى العظمى في الحرب الأهلية في سوريا وكذلك في مواجهة “داعش”، عن طريق تقديم الدعم لمختلف اللاعبين المحليين.
ويبدو أن الإنجاز المطلوب من الخطة الروسيّة للتدخل العسكري في سوريا قد شمل، إضافة إلى التعاون في القتال ضد “داعش”، وضع تفاهمات لجهة بلورة مستقبل المنطقة، شمل تحقيق حل مشترك لأزمتين في آن معاً: في سوريا، الدفع باتجاه تحقيق حل متفق عليه للمصالحة الداخلية، وبخاصة مستقبل الأسد. وعلى الساحة الدولية، الدفع باتجاه وضع تفاهمات حول الأزمة الأوكرانية.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف كان على روسيا وضع تفاهمات مع الغرب. وكما هو معروف فإن الولايات المتحدة الأمريكية وشركاءها الغربيين لم يظهروا حماساً، بالحد الأدنى، من الخطوات التي حاولت روسيا تنفيذها لجهة كل ما يتعلق بمستقبل الأسد ونظامه، وبما يتعلق أيضاً بالأزمة الأوكرانية. إلاّ أن العمل الروسي على الأرض قد خلق واقعاً دينامياً أدى، حتى الآن، إلى تحقيق جزء من أهدافها.
خطة العمل

تألفت خطة العمل الروسيّة، على النحو الذي يمكن تقييمه، من ثلاث مراحل:
● المرحلة الأولى: تدخّل محدود في الحرب الأهلية في سوريا مع تجاوز الأزمات الأخرى الموجودة على الساحة السورية والتركيز على مواجهة “داعش”. وقد تم تقديم هدف التدخل الروسي بالفعل على أنه مواجهة “داعش”، لكن يبدو أن الخطة الحقيقة كانت تهدف إلى دعم نظام بشار الأسد الذي واجه خطر السقوط، في صراعه ضد التنظيمات المتمردة وغير المحسوبة على “داعش”. وهذه هي مرحلة عسكرية في جوهرها، والتي كان هدفها استسلام القوات المتمردة ضد الأسد ودفعها للتعاون في تحقيق المصالحة في الحرب الأهلية السورية.
● المرحلة الثانية: عملية الحوار بين الأطراف في الحرب الأهلية السورية برعاية روسيا وبدعم من الدول العظمى ومن الأمم المتحدة. وقد جاءت هذه المرحلة سواء لترسيخ الإنجازات المرتقبة لنظام بشار الأسد، وسواء لاستغلال نتائج المرحلة الأولى لتحقيق الأهداف السياسية الروسيّة.
● المرحلة الثالثة: تطبيق التسوية في سوريا مع محاولة استغلالها لترسيخ مكانة روسيا كلاعب مؤثر في منطقة الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية. ومن شأن هذه الخطوة أن تنفذ من خلال التعاون مع الغرب، في إطار تحالف لمقاتلة “داعش”.
تنفيذ الخطة

المرحلة الأولى: كما جرت الإشارة من قبل حول الخطة فإن الهدف المعلن للتدخل كان محاربة الإرهاب الإسلامي، أي محاربة “داعش”، إلا أنه في الواقع قامت المعركة الروسيّة في سوريا على عملية عسكرية محدودة، يتم تنفيذها بواسطة قوة جوية صغيرة نسبياً، وقد بدأت في نهاية شهر أيلول / سبتمبر، بعد أن تم التنسيق السياسي حولها خلال شهور صيف 2015 مع القيادتين السورية والإيرانية، وبعد عدة أسابيع من الاستعدادات والتحضيرات على صعيد البنى التحتية. وتم في هذا الإطار إرسال قوات روسيّة إلى سوريا، وتقديم دعم واسع بالذخيرة وبالمشورة لنظام الأسد.
وقد شملت القوات الروسيّة المشاركة حوالي 50 طائرة، بما في ذلك طائرات هجومية وطائرات معترضة وطائرات عامودية من أنواع مختلفة. ووصلت هذه القوة الجوية مع منظومة دفاع جوي خاصة بها، وحتى أنه قد تم تعزيز هذه المنظومة، خلال المعركة، بوحدة من صواريخ مضادة للطائراتS – 400 ، وذلك بعد أن أقدم سلاح الجو التركي على إسقاط طائرة مقاتلة روسيّة. وقد وصل مع هذه القوات عناصر سيطرة ومراقبة واستخبارات، بالإضافة إلى عناصر صيانة ومجموعة من المستشارين العسكريين الذين اندمجوا في الجيش السوري. وعلاوة على استخدام الطائرات المقاتلة من الأراضي السورية، استخدم الروس طائرات قاذفة ثقيلة أقلعت من أراضي روسيا نفسها، كما أطلقت صواريخ كروز من قطع بحرية موجودة في بحر قزوين ومن البحر الأبيض المتوسط.
ويوجد للقوات الروسيّة في سوريا عدد من القواعد – قاعدتان بحريتان في طرطوس واللاذقية، وقاعدة جوية في حميميم، بالقرب من اللاذقية (وتقوم هذه القوات أيضاً باستخدام القواعد الجوية السورية). وتم نشر الجزء الأكبر من قوات الحماية الروسيّة هناك، وكذلك وسائط الدفاع الجوي والصيانة. وتم من هناك أيضاً تنفيذ معظم النشاط العملياتي للقوات الجوية الروسيّة المشاركة.
وقد عملت القوات الروسيّة التي أرسلت إلى سوريا في إطار تحالف ضم، إلى جانب الجيش السوري الموالي للأسد، إيران التي أرسلت حوالي 2000 مقاتل من قوات القدس، وحزب الله الذي نشر في سوريا غالبية قواته المقاتلة، ومقاتلين من “الميليشيات الشيعية” المختلفة الذين تم إحضارهم من قبل إيران. وقد شكلت هذه القوات التشكيل البري لقوات التحالف، فيما قدم الروس الدعم الجوي فقط. لقد كان هدف المرحلة الأولى، الهجومية، تقديم الدعم لقوات الأسد في السيطرة على مناطق حيوية، من خلال تدمير الجهد الهجومي للمتمردين في منطقة الساحل وطريق حلب دمشق. وهذا الأمر، بهدف دفعهم لإبداء استعدادهم للمشاركة في مبادرة سياسية روسيّة لمصالحة مستقبلية في سوريا. وترافقت هذه المرحلة بتغطية إعلامية واسعة، وبحملات إعلامية نشطة، وكان الهدف الرئيسي من ذلك ترسيخ صورة روسيا بوصفها دولة عظمى فاعلة – وهو الهدف الذي تم تحقيقه بشكل جزئي عن الأقل.
هذا وقد امتنعت روسيا، على مدى مشاركتها في الحرب الأهلية في سوريا، عن استخدام القوات البرية وفضلت الاكتفاء بتقديم الدعم الجوي الواسع للقوات البرية السورية والإيرانية (وبخاصة قوات حزب الله). وإلى جانب هذا الدعم في العمليات القتالية، تم تقديم المشورة العسكرية والدعم بشحنات الأسلحة والعتاد، والدعم السياسي. وفي نهاية المطاف، كانت الإنجازات البرية لهذا الهجوم محدودة نسبياً. وذلك بسبب المقاومة الشديدة من قبل المتمردين، وضعف الجيش السوري، وفشل قوات الاسناد الإيرانية وقوات حزب الله التي منيت بخسائر كبيرة، وبخاصة في صفوف القادة، بالإضافة إلى ضعف القيادة المركزية والخلل في التنسيق بين القوات المشاركة.
ولكن، في نهاية الأمر، وبعد خمسة أشهر من القصف الروسي لأهداف المعارضة، إلى جانب العمليات البرية للحلفاء، نجح تحالف القوات المؤيدة للرئيس الأسد في إجبار القوى المعارضة للنظام على التراجع، ودفعهم للمشاركة في مفاوضات المصالحة برعاية روسيّة.
المرحلة الثانية: كجزء من خطة العمل، بادرت روسيا إلى إطلاق مجموعة من الخطوات السياسية والتي كان هدفها رفد النجاحات العسكرية التي تم تحقيقها في المرحلة الأولى. وكان لا بد من أجل تنفيذ هذه الخطة، أن تحقق روسيا إنجازاً عسكرياً يُظهر بأن يدها هي العليا وأن بمستطاعها أن تفرض التطورات على الأرض. وقد تم تحقيق هذا الهدف مع إخضاع المتمردين عن طريق القصف الجوي ودفعهم إلى طاولة المفاوضات السياسية. وفي إطار العملية السياسية، التي جرى جزء منها بالتوازي مع استمرار المعركة ضد المتمردين، تم التوقيع على تفاهمات لوقف إطلاق النار وذلك بمشاركة الأطراف المتحاربة والدول العظمى (أي روسيا والولايات المتحدة الأمريكية).
وفي الطريق إلى العملية السياسية بين الأطراف المتقاتلة في سوريا، والتي فتحت المجال أمام وقف إطلاق النار، بذلت روسيا جهداً كبيراً للتوصل إلى تفاهمات بينها وبين الدول الغربية. وكان هذا الطريق مليئاً بالمطبات والخلافات المعقدة، ولم يكن من السهل التوصل إلى توافق بينها. وقد تمت إدارة المفاوضات في أجواء من الأزمة المتفاقمة، وترافقت مع المبادرة إلى إطلاق أزمات جديدة على الأرض بالإضافة إلى مجموعة من خطوات “استعراض العضلات” من الجانب الروسي، وذلك لاستخدامها كوسائل ضغط على المجتمع الدولي، بهدف تحقيق أهدافه في المفاوضات. وفي نهاية المطاف، أدت الاتصالات مع المتمردين، إلى جانب الضغط العسكري الذي لم يعرف المهادنة، إلى عقد سلسلة من لقاءات التفاوض السياسي، وإلى خلق “خارطة طريق” لإنهاء الحرب وحل النزاع خلال 18 شهراً. وإذا ما تم بالفعل الحفاظ على وقف إطلاق النار فإنه يمكن القول إن الروس قد حققوا هدفهم، وهم بذلك قد حققوا المرحلة الثانية من تدخلهم في سوريا.
المرحلة الثالثة: بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار، خلال المرحلة الثانية السياسية، كان يبدو، من وجهة النظر الروسيّة، أنه قد بدأت مرحلة جديدة، أي المرحلة الثالثة. وقد تم إطلاق هذه المرحلة في 14 آذار / مارس 2016، مع إعلان روسيا عن سحب قواتها من سوريا – وهو الإعلان الذي فاجأ كل اللاعبين على هذه الساحة.
وكانت معالم الواقع، باستثناء إعلان روسيا عن سحب قواتها من سوريا، أٌقل وضوحاً بكثير. واتضح عملياً أن روسيا قد سحبت قسماً من طائراتها التي شاركت في المعركة خلال الشهور الأولى، إلا أنها أبقت في مكانها على قواعدها البحرية والجوية. وكذلك على الأطر التي تقوم بشغيلها وحمايتها، وعلى تشكيلات القيادة والسيطرة والاستخبارات والبنى التحتية والصيانة وتشكيل الخبراء في الجيش السوري. وتم الإعلان عن هذه الحقائق بشكل رسمي، مع التأكيد على أنه تمكن إعادة الطائرات التي تم سحبها “خلال ساعات معدودة”.
ويبدو أن التركيز في بيان إعلان سحب القوات كان على وقف مشاركة روسيا في الحرب في سوريا بالذات وليس على ترك هذه الساحة. وبذلك ظهر، عملياً، واقع جيو- سياسي جديد. وهو يشمل: المناطق الغربية من سوريا، الخاضعة للسيطرة الروسيّة وبدعم من التحالف (الذي يتشكل من جهات سورية من مؤيدي الأسد وقوات إيرانية وحلفائها – من حزب الله والميليشيات الشعبية)، حيث تم التوصل مؤخراً إلى وقف لإطلاق النار، بدعم من الدول العظمى، يضع حداً للحرب الأهلية في سوريا. في مقابل ذلك، في باقي المناطق الواقعة في شرق سوريا، والتي تحتل غالبيتها “داعش”، تدور هناك مواجهة بين اللاعبين الإقليميين والدوليين. وتشمل هذه المواجهة القتال بين التحالف الدولي وبين “داعش”، والمواجهة بين مختلف اللاعبين للدفع باتجاه تحقيق مصالحهم في هذه الساحة. والإعلان الروسي، الذي يستند إلى الافتراض أن المنطقة الغربية في سوريا ستبقى تحت سيطرة القوات الموالية للأسد، ينص بالذات فقط على وقف مشاركة القوات الروسيّة في القتال في المنطقة الشرقية من سوريا.
في موازاة ذلك أعلن الروس عن تأييدهم إلى تحويل سوريا إلى دولة فيدرالية. وبذلك بدأت روسيا في تطبيق مقولة تقسيم سوريا إلى عدة محافظات (ألوية)، وهي خطة إذا ما تم تطبيقها في الظروف الناشئة فإنه لن يكون من الواضح إذا ما كانت ستتحد من جديد في المستقبل. وفي هذه المرحلة نجحت روسيا في إقامة كيان سياسي منفصل برئاسة الأسد (كحكومة انتقالية وفق ما يقتضيه الاتفاق مع المعارضة). ومن غير الواضح إلى أية درجة سيكون بشار الأسد قادراً على تحقيق سيطرته على هذه المنطقة بدون مساعدة روسيا. وفي هذه الأثناء فإن قواتها ستبقى، على ما يبدو، في المنطقة مع بقية مكونات “التحالف الشيعي”. والواقع السوري، على النحو الذي نشأ عليه، يضم بين طياته عدداً من المناطق المأزومة الموجودة مع بعضها البعض. وتتطلب إقامة واقع سياسي جديد في سوريا، في ذروة الحرب الأهلية (التي لم تُحسم بشكل نهائي بعد) مع ظهور كيان سياسي منفصل في المنطقة الخاضعة للنفوذ الروسي، ومع الاستعدادات لإقامة كيان كردي، وربما بعض المناطق المستقلة الأخرى، كل ذلك يتطلب وضع قواعد لعبة جديدة.
ويبدو أن من بين أهداف الخطوة الروسيّة لإعلان وقف التدخل، كان تحريك عملية تحويل سوريا إلي فيدرالية بين مجموعة من الكيانات، وكذلك الرغبة في طرح تحدٍ أمام الغرب. وكنتيجة لذلك نجد أن هناك حالة من الارتباك على الساحة الدولية، بالإضافة إلى حالة من الشك حيال الخطوات الروسيّة المستقبلية.
كما أن هناك خلافات لجهة تنسيق السياسات ضدها. وفي ظل الواقع المتشكل، تظهر مجموعة من التساؤلات حول طرق العمل الروسيّة في الأزمة السورية منها: هل أن روسيا ستؤيد تقسيم سوريا مع الإبقاء على منطقة الساحل تحت سيطرتها؟ أم أنها ستعمل للإبقاء على وحدة الأراضي السورية من خلال التعاون مع لاعبين آخرين؟ وهل ستصر روسيا على الدفاع عن الأسد، أم أنها ستتخلى عنه، من أجل تسوية من هذا النوع أو ذاك، مع الغرب ومع المعارضة؟ ومن المرجح أنها ستفضل في هذا الموضوع حلاً وسطاً يحافظ على المصالح الروسيّة المستقبلية في المنطقة. وعلى أية حال فإن السؤال الذي يبقى مفتوحاً يتعلق بمستقبل الصراع على القسم الشرقي من سوريا، وبخاصة الحرب ضد “داعش”.
ويبدو أن مستقبل هذه المحافظات السورية سيتم تحديده وفقاً للتطورات على الأرض. والعملية الرئيسية الدائرة الآن في المنطقة الشرقية هي الحرب ضد “داعش”، والتي دخل كل اللاعبين الإقليميين في مواجهة بين بعضهم البعض، في صراع الهيمنة الإقليمية. ويمكن أن نذكر من ذلك: تركيا التي تتنافس مع إيران على صياغة نظام إقليمي مستقبلي; وإيران التي تتطلع إلى فرض نفوذها في المنطقة والتي ترى في نفسها لاعباً مستقبلياً فيها، والتي ليس من الضروري أن تمتلك الرؤية نفسها التي تمتلكها روسيا للمصالح فيها; والأكراد الذين يعملون الآن بدعم روسي لتأسيس مكانة مستقلة والذين يتطلعون إلى إقامة كيان سياسي خاص بهم، في ظل معارضة تركية شديدة; والسعوديون الذين يعملون على وقف التمدد الإيراني. ومن الواضح أنه إلى جانب العمل على تحقيق المصالح الخاصة بكل واحد من اللاعبين، فإن لهم جميعاً مصلحة في القضاء على “داعش”.
ويبدو أنه في أي سيناريو محتمل في سوريا فإن المستقبل سيحمل بين طياته مواجهة عظيمة بين كل المعسكرات المتنازعة الناشئة، والتي ستترافق مع تدخل الدول العظمى.
وفي قلب هذه الدوامة، التي جرى وصفها أعلاه، فإنه سيستمر التدخل الخارجي للدول العظمى في الوقت الذي سيكون على التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن يستمر في العمل على مواصلة الحرب ضد “داعش”، وفي الوقت نفسه تأييد مختلف اللاعبين المحليين، إلى جانب المناورة بين كل اللاعبين ذوي العلاقة. وإذا ما قررت روسيا الانسحاب من المواجهة في المنطقة مدار البحث فإن الأمر سيؤثر على ميزان القوى وعلى كل اللاعبين فيها. إلا أنه وعلى الرغم من الاستعداد لكل السيناريوهات المحتملة، فإن هناك احتمالاً مرتفعاً لبقائها. وفي هذه الحالة، وحتى لا تجد نفسها غارقة في الأزمة بدون شركائها على الساحة الدولية فإنه لا مناص من أن تقوم روسيا بتجميع تحالف دولي جديد، أو أن تنضم إلى التحالف القائم وتفضل التوصل إلى تفاهمات مع الغرب. وبالفعل يتواصل الحوار الأمريكي الروسي حيث يمكن للأطراف فيه أن تتوصل إلى قواسم مشتركة في القضايا المختلف عليها.
لقد قام وزير الخارجية الأمريكية جون كيري مؤخراً بزيارة إلى موسكو ومن المحتمل أن يكون قد تم التوصل إلى صيغة للتعاون بين الدول العظمى لمحاربة “داعش”. كما أنه تم، على ما يبدو، بحث إمكانية أن تبدأ خلال 5 شهور عملية نقل السلطة في سوريا. ويبدو أيضاً أنه قد تم، بشكل إيجابي، دراسة احتمال التعاون بين الدول العظمى في سوريا. وبوسع هذا التطور، إذا ما تم تنفيذه، ان يصوغ الخطوات المتشكلة الآن في الفضاء السوري، وهو الأمر الذي يفسح المجال أمام إقامة تحالف واسع مع الغرب والدول السنية لمحاربة “داعش”.
وفي الحرب التي تخطط لها روسيا ضد “داعش”، على النحو الذي ظهر فيه الأمر في المرحلة الأولى، فإنها ستختار الامتناع عن القيام بعمل بري وتفضل أن تقوم القوات البرية السورية والإيرانية بالقتال، ومن المحتمل أن يكون هناك دعم جوي روسي. وذلك بالإضافة إلى تقديم المشورة العسكرية والإمداد بالأسلحة.
ويمكن القول لإجمال هذا القسم بأنه على الرغم من أن روسيا لا تزال بعيدة عن تحقيق كامل أهدافها من هذا التدخل فإن الوضع الناشئ، الذي بقيت فيه روسيا اللاعب المهيمن في سوريا، يعتبر من وجهة نظرها إنجازاً. وهذا النجاح، إلى جانب التوصل إلى تفاهمات مع الغرب، سيخدم مصالحها في المنطقة أيضاً- حيث سيؤدي إلى ترسيخ روسيا كلاعب مؤثر في الشرق الأوسط على المديين المتوسط والبعيد، وكذلك في السياق الدولي – ذلك أنه سيمكن روسيا من تسوية الخلافات حول الموضوع الأوكراني، وقضية العقوبات الاقتصادية أيضاً. وعليه يبدو أن روسيا ستواصل لعب دور كبير ولن تتنازل على دورها المهيمن ولا عن سيطرتها على المنطقة.
وماذا عن إسرائيل

من الواضح أنه في كل هذه التطورات هناك تأثيرات محتملة على إسرائيل أيضاً. فإسرائيل، التي على خلاف لاعبين إقليميين آخرين، لم تنكشف أبداً أمام انزلاق الأحداث في سوريا إلى أراضيها، وهي قد نجحت، إلى الآن، في الحفاظ على سياسة “المراقب” والامتناع على تأييد أحد الطرفين والتورط في الأزمة. وهي لا زالت تمتنع عن القيام بأي نشاط مبادر أو استباقي (باستثناء احباط العمليات الإرهابية)، ولا تطلق أي موقف بالنسبة للشكل الذي ترى فيه عملية أية تسوية مستقبلية في سوريا.وذلك جراء الخشية من أن يؤدي ذلك إلى تورط إسرائيل في سوريا دون أن تكون لديها تأثير فعال.
والسؤال المطروح هنا هو: هل يؤدي التدخل الروسي إلى تغيير صورة الوضع، وما هو مدلول هذا التدخل لجهة تغيير “قواعد اللعبة” في الأزمة السورية، وكيف يمكن لإسرائيل أن تستفيد من ذلك؟
لقد فرض الواقع على إسرائيل مجاورة دولة عظمى، تدير حرباً بالقرب من حدودها، على مدى فترة زمنية طويلة. وهذه الدولة العظمى موجودة في مواجهة مع دول عظمى أخرى، ويمكن لإسرائيل أن تتضرر كثيراً بينها. هذا بالإضافة إلى إشكالية ترتبط بجوهر التحالف الروسي الذي يعمل في سوريا، حيث ترى إسرائيل في إيران، وفي النفوذ الإيراني، في كل من لبنان وسوريا، التهديد الرئيسي عليها.
وهو التهديد الذي يبدو أكثر خطراً من التهديد المستقبلي لـ “داعش”، أو لأية جهات سلفية – جهادية أخرى. هذا ناهيك عن إلحاق الضرر بحرية العمل الإسرائيلية في المنطقة، وذلك بسبب تواجد القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي الروسيّة. وبالإضافة إلى ذلك هناك خلاف طويل حول رؤية المصالح الإقليمية، بما في ذلك علاقات روسيا مع كل من إيران وحزب الله، وتدخلها في موضوع النزاع الفلسطيني.
وفي مقابل ذلك فإن روسيا ترى في إسرائيل لاعباً إقليمياً هاماً وتفضل أن تراها وهي تتبنى سياسة حيادية في المواجهة الإقليمية الأخذة في الاتساع. ومن مصلحتها الواضحة تفادي الإضرار بعلاقاتها مع إسرائيل، وبكل تأكيد، تفادي مواجهة معها في المجال العسكري. وعلاوة على ذلك فإنه، على الرغم من الخلافات، يجري منذ سنوات ليست قليلة تعاون ثنائي على نطاق واسع بين الطرفين بما في ذلك على الساحة الدولية، مع تجنب توجيه الانتقادات المتبادلة. وبالإضافة إلى ذلك فإن روسيا تمتنع عن تزويد بعض أنواع الأسلحة المتطورة لأعداء إسرائيل.
وعليه فإنه من المرجح أن تفضل روسيا تجنب الخلاف مع إسرائيل في قضايا الانتشار على الأرض، وأن تحرص على التنسيق العسكري وأن تبذل كل ما في وسعها للتنسيق على مختلف الجبهات لتفادي الاحتكاك والتقديرات الخاطئة. وبالإضافة إلى المصلحة المتبادلة في “ضبط الأضرار” والتنسيق العملياتي، فمن المرجح أن روسيا مطلعة على المصلحة الإسرائيلية في منع سيطرة جهات إرهابية على مناطق حدودية معها، بالإضافة أيضاً إلى الحساسية الإسرائيلية تجاه إيران في المنطقة. وفي هذا السياق يجب عدم استبعاد احتمال حدوث تضارب مصالح بين روسيا وإيران في الموضوع الإسرائيلي.
ومن المتوقع أن تستمر روسيا في لعب دور هام في التطورات المستقبلية في سوريا، مع كل التداعيات المحتملة على إسرائيل جراء ذلك. وفي هذا السياق، من المناسب أن نطرح مجموعة من الأسئلة: ما هي السيناريوهات المستقبلية المحتملة والتي يجب على إسرائيل الاستعداد لها؟ وهل على إسرائيل أن تستعد لحالة تعزز فيها روسيا من نشاطاتها العسكرية في سوريا، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة كبيرة في تواجد كل من إيران وحزب الله، بما في ذلك الأسلحة التي ستشكل تهديداً على إسرائيل؟ وما هو الحل المفضل في سوريا من أجل منع تسرب العناصر المتطرفة الجهادية – السلفية إلى المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية؟ وما هي احتمالات أن تحول تسوية مستقبلية في سوريا دون حصول هيمنة إيرانية عليها، وهل يمكن عن طريق التدخل الروسي تقليص النفوذ الإيراني المتزايد في كل من سوريا ولبنان؟ وعلى الرغم من أنه ليس في نية روسيا تحدي إسرائيل عسكرياً، بما في ذلك نصب منظومات أسلحة تلحق الضرر بالتفوق العسكري الإسرائيلي، فإن السؤال هو: هل سيتم تنفيذ وعد روسي كهذا في المستقبل؟
الخلاصة

في الواقع القائم ستواصل إسرائيل بذل مساعيها الحثيثة لإزالة تهديد “المحور الشيعي” والإرهاب ومنع ممارسة أية نشاطات في المناطق القريبة من حدودها، وكذلك منع وصول أسلحة كاسرة للتوازن إلى ايدي أعدائها. وهذه ستكون، حسب التقديرات، شروط إسرائيل لمواصلة التعاون مع الجانب الروسي في المنطقة.
ومن المحتمل أن تفضل روسيا في المستقبل الامتناع عن تزويد الأسلحة المتطورة، التي تشكل تهديداً لإسرائيل، لكل من سوريا وحزب الله، وذلك من خلال إظهار التفهم للموقف الإسرائيلي.
وعلاوة على ذلك فإنه لا يوجد لإسرائيل سبب في معارضة أية تحركات روسيّة تهدف إلى تقسيم سوريا في إطار اتحادي أو في أي إطار آخر. وأكثر من ذلك، فإنه ليس من المستبعد أن يحمل أي تدخل من قبل روسيا بين طياته، إلى جانب المخاطر، أملاً ما. خاصة إذا ما شكلت الرقابة على نشاط أعضاء الحلف الخاص بها جسراً لتحقيق تفاهمات مستقبلية معهم.

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة