علماء «داعش» أجمعوا على تكفير الشيعة وقتل كل مسلم يشارك في الأنظمة والجيوش

اعداد ياسر الحريري-

أعد معهد «كارينغي» الاميركي دراسة حول «داعش» تطرقت الى جذور التنظيم الارهابي وفتاويه في القتل والدمار. وهنا الحلقة الثالثة والاخيرة:
يُعدّ «تنظيم الدولة الإسلامية» صارماً أيضاً في تطبيق مفهوم نواقض الإسلام السلفي. وتشكّل هذه النواقض مجموعة من الشروط التي يعتقد السلفيون العقائديون أن على جميع المسلمين التقيّد بها. وقد حصر مؤسّس الوهابية النواقض في أعمال عشرة هي: الشرك في عبادة الله؛ من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم؛ من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم؛ من اعتقد أن غير هدي النبي أكمل من هديه وأن حكم غيره أحسن من حكمه؛ من أبغض شيئا مما جاء به الرسول ولو عمل به؛ من استهزأ بشي من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه؛ السحر؛ مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين؛ من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى؛ الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به.

في حين يصرّ بعض رجال الدين على أن هناك درجات للكفر، وأن مرتكب الذنب لايصبح كافراً بالضرورة من خلال ارتكاب أفعال معيّنة، يرفض «التنظيم» عموماً مسألة التدرّج، ويعتقد أن جميع أعمال الكفر على قدم المساواة بالفعل. وفي السياق نفسه، يؤمن التنظيم بأن على المسلم واجباً دينياً لتحديد وتسمية الكفار أو المرتدّين، وأن عدم القيام بذلك يمكن أن يجعل المرء نفسه كافراً أو مرتدّاً.

وفقاً لتنظيم الدولة الإسلامية، يصبح المسلم كافراً إذا لم يجاهر بكفر شخص آخر يستحق أن يوصف بأنه كافر. وقد أعلن التنظيم أن الظواهري زعيم القاعدة كافر لأنه يتعاطف مع الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي، الذي قَبِلَ بالديمقراطية. كما تعتبر الدولة الإسلامية أعضاء جبهة النصرة مرتدّين لأنهم يقاتلون إلى جانب جماعات مدعومة من الخارج.

يظهر هذا الرأي وآثاره بشكلٍ واضح وعلى وجه الخصوص بين أتباع حركة في تنظيم الدولة معروفة باسم «الحازمية». ويعتقد بعض أعضاء «تنظيم الدولة الإسلامية» على الأقل أن بعض تعاليم الحازمية تجيز لهم قتل وسرقة المسلمين الذين ارتكبوا أي درجة من درجات الكفر، ما قد يعني معظم السكان الذين يخضعون إلى سيطرتهم. وقد أساء الحازمي تفسير فتوى أصدرها رجل الدين السعودي عمر بن أحمد الحازمي، الذي يُعرف أيضاً باعتباره أحد أفراد جيل الصحوة الذي دمج الأفكار الإسلامية بالمفاهيم السلفية. حرّمت هذه الفتوى التي رجع عنها الحازمي في وقت لاحق، «العذر بالجهل» في مسائل الإيمان، ما يوحي بأن المسلم مسؤول عن فعل الكفر حتى لو لم يكن ذلك الشخص ينوي القيام به. وقال الشيخ حسن الدغيّم، وهو رجل دين سوري بارز، في مقابلة: «يقول الحازمي إن الجهل ليس عذراً.

علماء الجهاد في «تنظيم الدولة الإسلامية»
يعتمد «تنظيم الدولة الإسلامية» على كتابات جهادية لمنظّرين يؤيدون موقفه القاضي بشنّ حرب ضدّ من يعتبرهم مسلمين بالاسم فقط. ويلتزم رجال الدين هؤلاء بمجموعة من الأفكار التي تختلف كثيراً عمّا هو سائد، كما ذكر بعضهم صراحة. وعادةً مايستخدم التنظيم مؤلفاتهم لتبرير تكفير الدولة السعودية وحكام المسلمين في أنحاء منطقة الشرق الأوسط، ودعم رفض كل القوى والمؤسّسات الرسمية داخل تلك البلدان. وبسبب العداء بين الدولة الإسلامية والعديد من رجال الدين، غالباً مايقلّل المراقبون من أهمية تأثير هؤلاء المنظّرين على التنظيم.

تشمل المراجع التي يعتمد عليها «تنظيم الدولة» شيوخاً سعوديين مثل خالد الراشد وناصر الفهد وسليمان بن ناصر العلوان وعمر بن أحمد الحازمي وعلي بن خضر الخضير وحمود بن عقلاء الشعيبي. وتشمل المصادر الأخرى منظّرَيْ تنظيم القاعدة أبو محمد المقدسي وعبد القادر بن عبد العزيز.

يتم الاقتباس من الخضير والراشد على نطاق واسع في الأراضي التي يسيطر عليها، ويوفّر الخضير على وجه الخصوص للتنظيم نظرة شاملة في كتابته حول واحد من أكثر الجوانب المميّزة لإيديولوجيا «الدولة الإسلامية»: فهو ينصّ على أن النظم غير الإسلامية وأتباعها غير شرعية وأن الالتزام بتعاليمها أمرٌ فعلاً لايُعذَر. والخضير واضح تماماً في موقفه من النظم التشريعية الحديثة ومن المسلمين الذين ينخرطون فيها. فهو يرى أن المسلمين الذين ينضمّون إلى البرلمان طوعاً كفار. ويعتبر المسلم الذي يقسم يمين الولاء للدستور مرتدّاً. وبرأي الخضير، الفكرة القائلة إن المسلمين العاديين قد يجهلون أن مثل هذه الممارسات هي ممارسات غير شرعية وبذلك ينبغي «العذر بالجهل»، هي فكرة غير مقبولة.

يكثر رجال الدين الذين يأتي تنظيم الدولة الإسلامية» على ذكرهم في خطبه من انتقاد الشيعة، إذ يلحّون على أنه لا يمكن إيجاد العذر للشيعة العاديين في عقيدتهم. وفي سلسلة من الخطب بعنوان «السيف البتّار على الشيعة الأشرار»، هاجم الراشد الشيعة بلغة صريحة. وبالمثل، كتب الفهد مقالاً حول «مشروعية الإغلاظ على الروافض» يزخر بلغة مسيئة للشيعة ومشوِّهة لسمعتهم.

يطبّق «تنظيم الدولة الإسلامية» الأفكار بشأن المؤسّسات الحديثة والمعايير الديمقراطية لتبرير الحرب على أفراد الجيش وقوات الأمن في البلدان الإسلامية. كما أن التنظيم معتادٌ على تكفير الإسلاميين وكذلك رجال الدين في التيار السائد، الذين يشكّلون جزءاً من المؤسّسات الدينية الرسمية. وأنتج الأنباري، الذي يُعدّ أقدم وأعلى مرجع في تنظيم الدولة الإسلامية حتى وفاته في آذار 2016، محاضرة رمت إلى شرح إيديولوجيا التنظيم. وتركّزت المحاضرات على عدم شرعية المؤسّسات في البلدان الإسلامية، بما فيها المساجد والمحاكم. وأفرد الأنباري غضباً خاصاً لجمهور الشيعة، والصوفية، والإخوان.

رابط الصحوة
ينتمي العديد من رجال الدين الذين يستشهد بهم «تنظيم الدولة الإسلامية» لتبرير إيديولوجيته المعادية للشيعة، إلى جيل الصحوة أو يرتبطون بتيار الصحوة بطريقة ما، ويشملون: ابراهيم الفارس، ومحسن العواجي، ومحمد البراك، وحمود العمري، ومحمد النجيمي، وسعد الدريهم، ومعاصريهم من مصر وأماكن أخرى، مثل عمر عبد الرحمن الذي يُعرف أحياناً باسم «الشيخ الضرير».

يعبّر رجال الدين هؤلاء عن مواقفهم بصراحة، ولا سيّما ضدّ الشيعة. فقد كتب الفارس، على سبيل المثال، كثيراً عن الشيعة باعتبارهم «رمز الخيانة»، واقتبس في إحدى المرّات عن ابن تيمية قوله: «أصل كل فتنة وبلية هم الشيعة ومن انضوى إليهم، وكثير من السيوف التي سُلَّت في الإسلام إنما كانت من جهتهم». مع ذلك وعلى عكس عقيدة الدولة الإسلامية، يؤكد بعضهم، ولا سيما حمود العمري، على أن العنف ضدّ المدنيين الشيعة غير مقبول، مع أنهم يرون أن الشيعة طائفة منحرفة.

قبل أن يسافر البنعلي إلى سوريا في العام 2013 للانضمام إلى «تنظيم الدولة الإسلامية»، كان قد اكتسب صدقيّة باعتباره مفتياً جهادياً من خلال إقامة علاقة وثيقة مع أربعة عشر من رجال الدين المعروفين في المنطقة. في العام 2009، أذن المقدسي له بالتدريس والإفتاء، وهذا ما فعله في منتديات جهادية بارزة تحت الاسم الحركي أبو همام الأثري. يسلّط أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية الضوء على تعاليم وفتاوى البنعلي للتصدّي لمحاولات رجال الدين الآخرين، بمن فيهم المقدسي، التقليل من أهمية ثقله الديني.

تصدّر البنعلي عملية بناء شرعية أبو بكر البغدادي. وباعتباره كان منتسباً إلى تنظيم القاعدة، فهو في وضع يؤهّله لأن يجذب أنصار هذا الأخير. ويُقال إنه أُرسِل إلى مدينة سرت الليبية في آذار 2013 وفي العام 2014 لنشر دعوة الدولة الإسلامية وجمع الأنصار من مسجد الرباط.69 وقد ألّف البنعلي كتيّباً حول أبو بكر البغدادي وأحقيته بالخلافة، يحمل عنوان «مدّ الأيادي لبيعة البغدادي».

وبطبيعة الحال، لا يعفي تأثير علماء حقبة الصحوة السلفية، ولا سيما بنسختها السعودية، من المساهمة في إضفاء الشرعية على جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية. إذ تغذّي التقاليد السلفية خطاب تنظيم الدولة الإسلامية وتساعده على الارتباط بالإسلام التقليدي.
تبرير التوحش
يسعى أبرز رجال الدين في «الدولة الإسلامية» إلى تقديم مبرّرات لوحشية التنظيم، ولا سيما للأعمال المُرتكبة ضدّ إخوانهم المسلمين. لكن بعضهم يقوم بذلك عبر تأجيج مشاعر الكراهية الشمولية والطائفية، بدلاً من تبنّي العنف الذي يمارسه «تنظيم الدولة الإسلامية» بصورة مباشرة.
خالد الراشد معروفٌ بتعليقاته النارية، والتي كثيراً ماترد في خطب بكائية. فقد روى في إحدى خطبه قصة قطع رأس خالد بن سفيان الهذلي في القرن السابع الميلادي. وفقاً للراشد، طلب النبي محمّد متطوّعاً لقتل الهذلي بسبب تنظيمه هجمات ضد المسلمين، فتطوع عبد الله بن أنيس وقتل الهذلي وثم قطع رأسه. وعندما عاد بالرأس المقطوعة، وفقاً للراشد، أثنى عليه النبي محمّد وكافأه. مع أن هذه الرواية موضع خلاف، إلا أن أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية يروونها بصورة متكرّرة.

يستشهد «تنظيم الدولة» باثنين من رجال الدين على وجه الخصوص هما أبو عبد الله المهاجر وأبو بكر ناجي، لتبرير وحشيته الدموية ضدّ خصومه. وبسبب المبرّرات التي ساقها الاثنان لعمليات قطع الرؤوس والأساليب القاسية المشابهة، لايستغني التنظيم عن كتاباتهما.

ألّف المهاجر كتاباً بعنوان «مسائل من فقه الجهاد»، وهو الكتاب الذي درسه الزرقاوي مؤسّس تنظيم الدولة، ثم علّمه في أحد المعسكرات الجهادية في هيرات في أفغانستان.

يُطلع «تنظيم الدولة الإسلامية» أعضاءه الجدد أيضاً على قصص تعود إلى بدايات التاريخ الإسلامي (في الغالب من الفترة المعروفة باسم حروب الردّة التي أعقبت وفاة النبي محمّد) لتبرير عمليات الذبح والصلب والقتل الجماعي والممارسات الوحشية المشابهة. واستشهد أبو أسعد السمعان، أحد رجال الدين في التنظيم، بقصة صفيّة بنت عبد المطلب، وهي امرأة عايشت النبي محمّد، لتبرير قطع الرؤوس كأسلوب ترهيب. ووفقاً للسمعان، تم فصل النساء المسلمات عن الرجال في المدينة المنورة خلال معركة الخندق ووُضعن في مكان آمن. لكن رجلاً عرّفته القصة بأنه يهودي، تمكن من الصعود إلى المكان الآمن واقترب من النساء. وطلبت صفية من رجل مسنّ أن يقتل المتسلّل، لكنه ردّ بأنه غير قادر على القتال.

تمكّنت صفية، التي قاتلت في معركة سابقة، من قتل الرجل وقطعت رأسه وألقت الرأس المقطوعة على مقاتلي العدو لترهيبهم.

ويستغلّ التنظيم إلى أقصى حدّ ممكن أي نموذج يمكن أن يعثر عليه، لمساعدة أفراد التنظيم الذين يعانون صعوبة في ارتكاب أعمال شديدة العنف.
يستشهد التنظيم بقصة القائد الإسلامي خالد بن الوليد، الذي قتل آلاف الأسرى بعد معركة أليس، في ما يُعتبر مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي.

كان بن الوليد أقسم أن يصنع من دم أعدائه نهراً إن سيطر عليهم. وعندما لم يتمكن من العثور على عددٍ كافٍ من الأشخاص لصنع هذا النهر، قتل الأسرى، وأمر بفتح أحد السدود المُقامة على النهر على جثثهم النازفة. ويُشير «تنظيم الدولة الإسلامية» إلى أن الخليفة الأول أبو بكر، أثنى على بن الوليد بسبب النصر الذي حققه.

يطبّق «تنظيم الدولة» بصورة متعمّدة عقوبات غريبة وشاذّة لصدم المراقبين وتسليط الضوء على حوادث مماثلة في التاريخ الإسلامي، كما فعل أتباع المتطرّف السعودي جهيمان العتيبي في سبعينيات القرن المنصرم. ففي كانون الأول 2014، على سبيل المثال، ألقى مقاتلو «التنظيم» رجلاً يبلغ من العمر عشرين عاماً اتُّهم بممارسة المثلية الجنسية، من أعلى مبنى في دير الزور، «كما فعل خليفة المسلمين أبو بكر»، وفقاً لبيانات صادرة عن التنظيم… وأوضح عضو التنظيم المثنّى عبد الستار الأمر قائلاً: «عندما تستمع إلى رجال الدين في الدولة كما يشير أعضاء التنظيم إليه، تُصدم بحقيقة أن معظم مجتمعاتنا الإسلامية قد انحرفت عن الدين الحنيف. فهي تتبع ديناً اختُرع قبل عقدين، أو أقل من ذلك».

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة