هافينغتون بوست عربي –
نتلقى المعلومات حول تنظيم الدولة الإسلامية منذ تأسيسه من خلال أعداء التنظيم. وغالباً ما يروي القصة هؤلاء الذين يقاتلون ضد الجماعة في العراق وسوريا والمدنيون الذين يفرون من نير الحكم الوحشي، بالإضافة إلى المرتدين عن التنظيم ولكن بوشك ذلك على التغيير.
فهذه قصة أبوأحمد، المواطن السوري العامل بالتنظيم الذي شهد التوسع الذي حققه وقضي شهوراً بين مقاتليه الأجانب سيئي السمعة، حسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأميركية.
وفي هذه السلسلة المؤلفة من 3 مقالات، يستعرض بصورة متعمقة كيف مهد التخطيط السياسي لأبوبكر البغدادي الطريق أمام توسع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وجهود تنظيم القاعدة المضادة للحيلولة دون تأسيس داعش وكذلك الأسلحة المروعة داخل ترسانة الخلافة المزعومة. وقد تم حذف بعض الأسماء والتفاصيل لحماية أبوأحمد.
الثورة ضد الأسد
لم يتردد أبوأحمد مطلقاً حينما اعتنق أفكار الثورة السورية. وقد ولد أبوأحمد في إحدى المدن شمالي سوريا في عائلة عربية سُنية محافظة وكان طالباً حينما اندلعت الثورة في مارس/آذار 2011 وانضم إلى صفوف المحتجين على نظام الرئيس بشار الأسد منذ اليوم الأول.
وذكر: “شهدنا أحداث الثورة في مصر والسعادة تغمر قلوبنا، ثم تبعتها الثورة في ليبيا. وكنا نأمل ألا تتجاوز رياح التغيير بلادنا”.
وحينما تحولت الثورة إلى حرب أهلية بحلول منتصف عام 2012. وقرر أبوأحمد حمل السلاح والقتال. وانضم إلى جماعة معارضة جهادية، معظم أعضائها من السوريين، ولكنها تضم أيضاً بعض المقاتلين الأجانب من أوروبا وآسيا الوسطى. وكان تشكيل الكتائب في حالة تغير مستمر حينذاك، كل شهرين، وكانت جماعة أبوأحمد تغير اسمها أو تتحد مع جماعات معارضة أخرى.
ومع ذلك، بدأت الجماعات في توحيد الصفوف. وفي ربيع 2013، فضّل أبوأحمد أن يقف في صف تنظيم داعش حينما بسط التنظيم نفوذه على سوريا، بينما تصاعد التوتر بين الجماعة الجهادية وجبهة النصرة.
وكان من المقرر أن تعلن الجماعة الخلافة في يونيو/حزيران 2014 وتتخذ من عبارة “الدولة الإسلامية” اسماً لها يعكس طموحاتها العالمية. ويعد أبوأحمد عضواً عاملاً بالتنظيم حتى يومنا هذا.
وقال تقرير فورين بوليسي: “على مدار اجتماعات المجلة التي تجاوزت 15 اجتماعاً مع أبو أحمد، وجّهنا إليه أسئلة كثيرة حول معلوماته عن الجماعة الجهادية وحسن نيته باعتباره أحد “جنود الخلافة”. وعلى مدار 10 شهور، قضينا أكثر من 100 ساعة معه. وكان يجيب عن تساؤلاتنا بكل هدوء في شتى الأمور وكيف انتهى به الأمر بالانضمام إلى التنظيم وكيفية نشأة التنظيم وهوية المقاتلين الأوروبيين داخل الجماعة. وكانت لقاءاتنا تستمر على مدار 6 ساعات يومياً.
تحمّل أبوأحمد مخاطر الحديث معنا. ونظراً لأنه لا يزال عضواً بتنظيم داعش، فقد اضطررنا إلى إخفاء بعض التفاصيل الخاصة بحياته لحماية هويته.
لماذا أباح بأسرار “داعش”؟
وافق أبوأحمد على التحدث إلينا لعدة أسباب. ورغم أنه لا يزال عضواً بالتنظيم، إلا أنه لا يوافق على كل ما يفعله. وقد انجذب إلى التنظيم لأنه يعتبره أقوى جماعة سنية بالإقليم. ومع ذلك، يشعر أبوأحمد بخيبة الأمل بسبب “التطرف المبالغ به”، ملقياً اللوم على الجماعة فيما يتعلق بأعمال صلب وحرق وإغراق خصومها وكل من يخالف قواعدها.
واعترض أبوأحمد على سبيل المثال على العقوبة التي قام تنظيم الدولة الإسلامية بتنفيذها بمدينة الباب شمالي سوريا، حيث وضع قفصاً وسط المدينة فيما يتعرف باسم ميدان الحرية لمعاقبة المدنيين السوريين المذبين باقتراف جرائم صغرى، مثل بيع السجائر.
وذكر أبوأحمد أن الجماعة تسجن السوريين بالقفص لمدة 3 أيام وتعلق لافتة على أعناقهم تنص على ماهية الجريمة التي تم اقترافها.
وذكر: “يعرف الميدان حالياً باسم ميدان العقوبة. وأعتقد أن مثل هذه العقوبة القاسية تضرنا. وتجعل السنة يخشوننا ولا يحبوننا”.
وأضاف أبوأحمد أنه في الماضي كان يأمل بأن يصبح التنظيم جهادياً قادراً على الجمع بين السنة الجهاديين معاً تحت لواء واحد. وأعجبه المقاتلون الأجانب الذين يعرفهم، خاصة الشباب من بلجيكا وهولندا الذين سافروا إلى سوريا.
كانوا يعيشون جميعاً في بلدان ثرية وسلمية، وبينما يدفع عشرات الآلاف من السوريين مبالغ طائلة للفرار إلى أوروبا، يسافر هؤلاء الجهاديون في الاتجاه المعاكس تماماً.
وذكر أبوأحمد: “ترك هؤلاء المقاتلون الأجانب أسرهم ومنازلهم وأراضيهم وقطعوا كل تلك المسافة لمساعدتنا هنا في سوريا. ولذلك فهم يضحون بكل ما لديهم لمساندتنا”.
جهاديون ومجانين
ومع ذلك، فقد انتقد أبوأحمد بعض جوانب الجماعة الجهادية. أولاً، لم يجمع تنظيم الدولة الإسلامية الجهاديين معاً، بل تصاعدت حدة التوتر مع الجماعات الأخرى وكان يخشى أن “يؤدي ظهور داعش إلى الانفصال عن جبهة النصرة وإضعاف القوى الجهادية الموحدة في سوريا”.
وثانياً، رغم أن بعض المقاتلين الأجانب كانوا من الرجال الذين عاشوا حياة دينية حقيقية في أوروبا، فإنه اكتشف جماعة أخرى كان يعتبرها تضم مجموعة من “المجانين”. وتتضمن الجماعة في الأغلب مجرمين بلجيكيين وهولنديين من أصل مغربي لا يجدون عملاً ونشأوا في أسر مفككة. ولم يكن يعلم معظم هؤلاء المجانين شيئاً عن الدين ولم يقرأ أحدهم القرآن. وبالنسبة إليهم، كان القتال في سوريا مغامرة أو وسيلة للتوبة.
قطع الرؤوس
وكان هناك أبوسياف الجهادي من بلجيكا الذي غالباً ما يتحدث عن قطع الرؤوس. وسأل أميره أبوالأثير العبسي ذات يوم عما إذا كان يستطيع أن يقتل أحداً. وذكر أبوسياف: “أريد أن أقطع رأساً”. وكان يعرف محلياً باسم الذباح.
وفي الحروب، غالباً ما تكون الحقيقة هي الضحية الأولى. وكانت القصص التي أخبرنا بها أبوأحمد لا يمكن تصديقها وتقع أحداثها بالقرب من مقعد السلطة الداعشية ولذلك قرر معدو التقرير التحقق من صحة كلامه.
وقالوا إنه للقيام بذلك، حددنا اختباراً لأبوأحمد، فقد قال إنه يعرف العديد من المقاتلين الهولنديين والبلجيكيين الذين انضموا للدولة الإسلامية؛ ولذلك أعددنا قائمة تضم نحو 50 صورة للجهاديين من تلك البلدان الذين رحلوا إلى سوريا. وخلال اجتماع مع أبوأحمد، طلبنا منه أن يتعرف على الرجال بالصور.
وأكدت إجابات أبوأحمد أن لديه معلومات مكثفة حول الجهاديين الأوروبيين المقاتلين في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. فقد صف أبوأحمد الصور أمامنا جميعاً ودون الاستعانة بالإنترنت وتعرف على نحو 30 من أسماء الجهاديين. وفي معظم الحالات، كان يروي بعض القصص حول المقاتل. وذكر أنه لا يعرف أصحاب الصور الأخرى أو أسماءهم.
واستعرض لنا أبوأحمد صوراً وفيديوهات خاصة على جهازه لبعض المقاتلين الهولنديين والبلجيكيين وآخرين من آسيا الوسطى في سوريا ولم يتم نشرها على الإنترنت. وكانت الوسيلة الوحيدة للوصول لتلك الصور من خلال العلاقات الشخصية القوية مع مجتمع الجهاديين.
وأثبت أبوأحمد أيضاً أن لديه إمكانية للوصول إلى كواليس بعض أعمال العنف التي يقترفها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. وبعد أن سيطرت الجماعة الجهادية على مدينة تدمر عام 2015، قام أبوأحمد بزيارة المدينة الصحراوية. وفي يوليو/تموز 2015، قام اثنان من أعضاء التنظيم من النمسا وألمانيا بإعدام شخصين من الجيش السوري. وفي الرابع من نفس الشهر، أصدر التنظيم فيديو يوضح مقاتلين من الشباب ينفذون حكماً بإعدام 25 من الجنود السوريين في مدرج المدينة.
وقام أبوأحمد بتقديم صور إلينا لتنفيذ حكم الإعدام قبل صدور الفيديو البشع لعملية الإعدام ببضعة أسابيع. ولا توضح الصور السجينين قبل إعدامهما بلحظات، ولكنها توضح أيضاً قيام عضوين من وحدة الإعلام بتنظيم الدولة الإسلامية بالتقاط الصور المروعة. ولم تنشر الجماعة صورة عملية الإعدام. وتعد الصورة التي قدمها أبوأحمد فريدة من نوعها، حيث التقطها أحد أعضاء التنظيم سراً.
وكان هاري سارفو أحد المصورين الموجودين بالصورة، وهو مواطن ألماني سافر إلى سوريا للانضمام للتنظيم. وذكر أنه أصيب لاحقاً بخيبة أمل وعاد إلى ألمانيا، حيث يقضي عقوبة السجن هنالك.
ومع ذلك، تتعارض الصورة التي قدمها أبوأحمد مع رواية أن سارفو قد لعب دوراً سلبياً في هذا الإنتاج. وبينما يكشف الفيديو صورته وهو يرفع الراية السوداء.
ولم يشهد أبوأحمد الحرب المتنامية بين الجهاديين في سوريا فحسب، بل شهد بدايتها عن كثب. وكان الشقاق بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية أحد أحداث للحرب السورية التي أدت إلى انقسام هائل داخل صفوف الأسد وظهور قوة جهادية جديدة بقيادة أبوبكر البغدادي.
وكان أبوأحمد يعلم جيداً كيف تكون العالم الجهادي.
موكب الخلافة
في منتصف أبريل/نيسان 2013، لاحظ أبوأحمد سيارة بنية تتوقف أمام مقر مجلس شورى المجاهدين، وهي جماعة جهادية سورية بزعامة أبوالأثير بمدينة كفر حمرا شمالي سوريا.
وتوجه أحد أصدقاء أبوأحمد من القادة الجهاديين إليه وهمس في أذنه: “انظر جيداً داخل السيارة”.
لم تكن السيارة فريدة أو حديثة كي تلفت الانتباه، ولم يكن لها لوحة معدنية.
وكان هناك 4 رجال يجلسون بداخلها. ولم يتعرف أبوأحمد على أحدهم. وكان الرجل الجالس خلف السائق يرتدي قناعاً كالقبعة يكسوه قماشاً يغطي كتفيه. وكانت لحيته طويلة. وبخلاف السائق، كان الجميع يحملون مدافع رشاشة صغيرة.
وأدرك أبوأحمد عدم وجود تأمين إضافي ببوابة المقر. وكالمعتاد، كان هناك مقاتلان مسلحان يتوليان حراسة المدخل. وكان الاتصال بالإنترنت يعمل بصورة طبيعية بالمقر الرئيسي.
وبعد خروج الرجال الأربعة من السيارة واختفائهم داخل المقر، توجه الزعيم الجهادي نحوه ثانية وهمس: “لقد شهدت أبوبكر البغدادي لتوّك”.
ومنذ 2010، أصبح البغدادي يتزعم تنظيم الدولة في العراق، التابع لتنظيم القاعدة بالدولة التي مزقتها الحروب. ووفقاً لرواية البغدادي، فقد أرسل أبومحمد الجولاني ممثلاً عنه إلى سوريا عام 2011 وطلب منه إبلاغ جبهة النصرة ببدء الجهاد هنالك. واستمر التعاون بين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وجبهة النصرة حتى بداية 2013. ومع ذلك، لم يكن البغدادي راضياً، بل كان يريد توحيد الجبهتين لإنشاء جهة واحدة تسيطر على كلا الدولتين يتولى هو زعامتها.
وفي كل صباح على مدار 5 أيام، كانت السيارة البنية تحضر البغدادي ونائبه حاجي بكر إلى المقر في كفر حمرا. وقبل غروب الشمس، تغادر نفس السيارة ويقودها نفس السائق المقر وتصحب البغدادي ليقضي الليل في مكان سري.
وعلى مدار هذه الأيام الخمسة، كان البغدادي يتحدث كثيراً داخل المقر الرئيسي مع مجموعة من الزعماء الجهاديين بسوريا. ومعظمهم من أكثر الأشخاص المطلوبين في العالم يجتمعون معاً بغرفة واحدة ويجلسون على وسائد على الأرض. ويتم تقديم الإفطار والغداء إليهم وكان البغدادي، أكثر الرجال المطلوبين بالعالم، يشرب البيبسي أو الميراندا بالصودا.
وبالإضافة إلى البغدادي، تضمن المشاركون أبوالأثير، أمير مجلس شورى المجاهدين، وأبومصعب المصري، القائد الجهادي المصري، وعمر الشيشاني، القائد الجهادي الشيشاني الوافد إلى سوريا من جورجيا، وأبوالوليد الليبي، القائد الجهادي من ليبيا الوافد إلى سوريا، وعبيد الليبي، أمير جماعة كتيبة البطار الليبية، واثنين من زعماء استخبارات النصرة وهاجي بكر، نائب البغدادي.
وكان أبوأحمد مفتوناً باجتماع العديد من كبار القادة. وخلال فترات الاستراحة، كان يسير بأنحاء المقر ويتحدث مع أشخاص حضروا الاجتماع. وتراكمت التساؤلات لدى أبوأحمد: لماذا جاء البغدادي من العراق إلى سوريا؟ ولماذا يلتقي به كل هؤلاء الأمراء والقادة؟ وما الأمر الهام الذي استغرق البغدادي أياماً في مناقشته؟
ويمكن العثور على إجابات على تساؤلات أبو أحمد في الكلمة التي ألقاها البغدادي قبل اجتماع كفر الحمرا. وفي 8 أبريل/نيسان 2013، أعلن البغدادي عن توسع تنظيمه في سوريا.
وكان يتعين على كافة الفصائل الجهادية هناك – بما في ذلك النصرة – الخضوع لسيطرته. وذكر: “ولذلك نعلن اعتماداً على الله إلغاء اسم الدولة الإسلامية في العراق وإلغاء اسم جبهة النصرة وتوحيدهما تحت لواء واحد، هو الدولة الإسلامية في العراق والشام”.
وأخبر أحد المشاركين أبوأحمد خلال الحديث: “جاء الشيخ إلى هنا لإقناع الجميع بهجر جبهة النصرة والجولاني. وبدلاً من ذلك، يتعين على الجميع الانضمام إليه والاتحاد تحت راية داعش، التي سوف تصبح دولة عما قريب”.
أكذوبة الولاء لتنظيم القاعدة
واجه البغدادي مشكلة كبرى في تحقيق هدفه. وأوضح الأمراء المجتمعون لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق أن معظمهم قد أقسموا بالولاء لأيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن المختار وزعيم تنظيم القاعدة. فكيف يهجرون الظواهري والقاعدة فجأة ويتحولون إلى البغدادي؟
وذكر أبوأحمد أنهم سألوا البغدادي أثناء الاجتماع: هل أقسمت على الولاء للظواهري من قبل؟
أخبرهم البغدادي بأنه أقسم بالولاء ولكنه لم يجهر به، بناءً على طلب الظواهري. ومع ذلك، أكد البغدادي للرجال أنه كان يعمل تحت قيادة زعيم تنظيم القاعدة.
ولم يكن لدى قادة الجهاديين وسيلة للتأكد من صحة تلك المزاعم. وربما كان الظواهري أكثر شخص يصعب الاتصال به في العالم بأسره، فلم يره أحد منذ سنوات ولا يزال مختبئاً، ربما في باكستان أو أفغانستان.
ونتيجة عدم قدرة الظواهري على الوساطة في النزاع بنفسه، فلابد أن يقرر زعماء الجهاديين في الأمر بأنفسهم. فلو تولى البغدادي الأمر نيابة عن الظواهري، فلا شك أنه يتعين على الجميع الانصياع للأوامر بالانضمام إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام. ومع ذلك، إذا كان البغدادي يتصرف من تلقاء ذاته، تعد خطته للسيطرة على النصرة والجماعات الأخرى بمثابة تمرد؛ وسوف تؤدي إلى تقسيم تنظيم القاعدة وتخلق فتنة بين الجيوش الجهادية.
ولذلك، وافق القادة على التعهد المشروط بالولاء للبغدادي. وقالوا له “إذا كان ما قلته صحيح، فسوف نؤيدك”، بحسب ما ذكره أبو أحمد.
وتحدث البغدادي أيضا حول تأسيس دولة إسلامية في سوريا. وقال إن ذلك كان مهماً لحاجة المسلمين إلى دولة. وكان البغدادي يريد أن يصبح للمسلمين إقليمهم الذي يستطيعون العمل من خلاله وغزو العالم بأسره.
واختلف المشاركون إلى حد كبير حول فكرة إقامة دولة في سوريا. فقد عمل تنظيم القاعدة على مدار تاريخه بصفة غير رسمية ولم يسيطر صراحة على أي إقليم، بل ارتكب أعمال العنف من مواقع غير محددة. ويعد الاحتفاظ بسرية التنظيم ميزة هائلة: حيث يصعب على العدو إيجاده أو مهاجمته أو تدميره.
وأخبر أبو الأثير، أمير مجلس شورى المجاهدين، مقاتليه قبل وصول البغدادي أنه يعارض بشدة فكرة إقامة دولة “البعض يتحدث عن هذه الفكرة غير الحكيمة. من المعتوه الذي يعلن إقامة دولة خلال زمن الحرب هذا؟”.
وكان عمر الشيشاني، زعيم الجهاديين الشيشان، مترددا أيضاً بشأن فكرة إقامة الدولة، وفقا لأبو أحمد. فهناك سبب جعل أسامة بن لادن يختبئ طيلة هذه السنوات، لتجنب القتل على أيدي الأميركيين. فإعلان إقامة الدولة يعد بمثابة دعوة صريحة لمهاجمتهم.
ورغم تردد العديدين، أصر البغدادي. فقد كانت إقامة الدولة تحظى بأهمية هائلة لديه. ولخص أبو أحمد حديث البغدادي قائلا: “إذا تمكنت تلك الدولة الإسلامية من البقاء خلال المرحلة الأولية، فستظل للأبد”.
وكان للبغدادي منطق آخر للإقناع، فالدولة توفر الملاذ للمسلمين من كافة أنحاء العالم. ونظرا لأن تنظيم القاعدة لم يكن له مقر، فقد كان من الصعب على المسلمين الانضمام إليه. ولكن يمكن أن تجتذب الدولة الإسلامية الآلاف بل والملايين من الجهاديين. وذكر أبو أحمد: “يقارن البغدادي وبقية القادة بين ذلك وهجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة للفرار من الاضطهاد”.
وناقش الاجتماع كيفية إدارة الدولة وتعاملها مع سكانها والهدف من ورائها وموقفها تجاه الأقليات الدينية.
وبعد انقضاء أيام من المحادثات، وافق كافة المشاركين على خطة البغدادي. وكان الشرط الوحيد لديهم يتمثل في ضرورة إعلان الدولة الجديدة من خلال التعاون بين النصرة وجماعة أحرار الشام الجهادية. ووافق البغدادي على هذه الشروط.
وكانت الخطوة التالية تتمثل في التعهد بالولاء.
ووقف قائد تلو الآخر أمام البغدادي يصافحه ويكرر الكلمات التالية “أتعهد بالولاء لأمير المؤمنين أبوبكر البغدادي القرشي والالتزام بالطاعة في السراء والضراء وتفضيله عن نفسي وعدم مجادلة الأوامر ما لم أشهد كفراً جلياً من جانبه”.
ثم طلب البغدادي من كل قائد استدعاء بعض مقاتليه. ودعا أبوالأثير قائد مجلس شوري المجاهدين مقاتلين بلجيكيين وهولنديين وفرنسيين تحت قيادته. ومن بين الأجانب الذين التقوا البغدادي بصفة شخصية وتعهدوا بالولاء له كان أبوسياف الذباح وأبوالزبير الجهادي البلجيكي وأبوتميمة الفرنسي الذي لقي حتفه في يوليو/تموز 2014 وأبوشيشان البلجيكي، الجهادي الأشقر ذي الخلفية الشيشانية المطلوب في بلجيكا بتهمة المشاركة في عمليات القتل.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، أخبر الأوروبيون – الذين كانوا مجرد مجرمين صغار في أمستردام أو بروكسل أو باريس – الجميع بحماس كيف أعلنوا البيعة للبغدادي.
الحرب على النصرة
أدى التحول من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى إلغاء أسماء كافة الجماعات أو الفصائل التي انضمت إلى الدول الإسلامية بالعراق والشام.
وكان هذا التطور بمثابة كارثة لجبهة النصرة وزعيمها أبو محمد الجولاني. فقد يعني ذلك انتهاء نفوذه في ساحة الجهاد الأكثر أهمية بالعالم. وطلب الجولاني من مقاتلي النصرة عدم الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والانتظار حتى يصدر الظواهري قراراً بشأن من يتزعم الجهاد في سوريا.
ولم تنصت الأغلبية العظمى من قادة ومقاتلي النصرة في سوريا. وحينما زار أبو أحمد حلب بعد بضعة أسابيع، كان نحو 90% من مقاتلي النصرة بالمدينة قد انضموا بالفعل إلى التنظيم.
وأصدر جنود البغدادي الجدد الأوامر للموالين المتبقين لجبهة النصرة بالخروج من مستشفى العيون، التي كانت المقر الرئيسي للنصرة بالمدينة. وأخبروا رجال النصرة وفقا لما ذكره أبو أحمد “لابد أن ترحلوا. فنحن من الدولة ونمثل الأغلبية بين المقاتلين. ولذا فإن هذا المقر يخصنا حاليا”.
وسيطر تظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام في كافة أنحاء شمالي سوريا على مقار النصرة ومستودعات الذخيرة ومخازن السلاح. وبدأ عصر جديد وهو عصر الدولة الإسلامية.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي