مازن بلال-
تصورات موسكو للأزمة السورية لم تختلف، لكنها في نفس الوقت أطلقت سياقا مختلفا لمواجهة حقائق الصراع؛ ما دفع وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، للحديث عن “معجزة” إذا استطاع الكرملين تحقيق التحالف الجديد ضد الإرهاب، ورغم صعوبات إعادة ربط العلاقات من جديد في الشرق الأوسط، لكن إعادة صياغة الأزمة السورية يبدو ممكنا من المنظور الروسي عبر رسم توازن جديد، ومن خلال علاقات إقليمية تتبدل معها وظائف أي تحالف سابق، فالمعجزة الحقيقية هي في ملئ الفراغ الذي سببته داعش، وباقي المجموعات الإرهابية، وإعادة توزيع القوة على الدول بدلا من تركها لـ”التوحش”.
وما يمكن فهمه من كلام الرئيس فلاديمير بوتين هو مبادرة مزدوجة ضمن إطار “نظام أمن إقليمي”، وذلك وفق مقاربة أساسية تحمل نقطتين أساسيتين:
– الأولى أن التوقيع المرتقب للاتفاق النووي الإيراني سيرسم واقعا جيوستراتيجيا جديدا، فهو سيجعل طهران الشريك الأساسي في إدارة الأزمات في الشرق الأوسط، أما باقي “الشركاء” فهم منخرطون في مساحة صراع من اليمن وصولا إلى شمال سورية، ومن الصعب إيجاد توازن دون شرط إقليمي جديد يغير من طبيعة المحاور القائمة، فالمبادرة الروسية ليست موجهة ضد إيران لكنها تعيد ترتيب العوامل الإقليمية من أجل توازن المصالح الذي اختل عبر أربع سنوات من الصراع في سورية.
– الثاني ربط المسار العسكري بالمسار السياسي، فالأزمة السورية لا يمكن أن تنتهي في ظل بقاء الجبهات العسكرية القائمة اليوم، ومن الصعب خلق فرز حقيقي لمسألة المعارضة السورية دون اعتراف الجميع بشرعية واحدة للدولة السورية، وإعادة رسم العلاقات السورية مع دول الجوار سيفكك الجبهات سريعا، وفي نفس الوقت سيعترف بدور للدول الإقليمية في حل الأزمة، ولكن هذا الدور ليس “نفوذا” لها داخل سورية، بل إطار تعاون إقليمي تتحدد استراتيجيته في محاصرة الإرهاب، فالحل السياسي الذي سيسير وفق خط متواز مع هذا التعاون هو الضمان الأساسي للأدوار الإقليمية القادمة وعلى الأخص الدورين السعودي والتركي.
لا تتردد موسكو كثيرا في إعلان دعمها لسورية رغم هذا السياق الجديد الذي طرحته، فالمسألة بالنسبة لها هي إيجاد مسار يخترق “المجابهة” القائمة التي أفرغت الشرق الأوسط من حيوية العلاقات السياسية، وأنتجت تحالفات شكلية لا تعبر عن عمق المشكلة القائمة حاليا، فـ”داعش” هي ظاهرة ناتجة عن العجز السياسي في رسم توازنات إقليمية، وفي توزيع الأدوار وتحديد المصالح، وحالة “الإرهاب” تنقل عدم القدرة على إنتاج سياسة متوافقة مع طبيعة المنطقة وجغرافيتها السياسية.
إنه سياق روسي صعب لكنه يتجه بشكل مباشر نحو حقائق المنطقة، وهو أيضا ينطلق من إعادة دور “الدولة” إلى موقعها بدلا من اعتماد “شرعيات” مجزأة وآنية وتستند لتحقيق أدوار إقليمية غير قادرة على تحقيق استقرار حقيقي، ولكن هذا السياق يتطلب “بيئة سياسية” إقليمية قادرة على استيعابه، وستشكل هذه “البيئة” التحدي الرئيس للدبلوماسية الروسية خلال الأشهر القادمة.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي