في خطوة مهمة، أعلن وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان الثلاثاء 18 أغسطس/آب الحالي إن بلاده ستوقع مع روسيا اتفاقية تسليم منظومة “إس – 300” الأسبوع المقبل.
هذه الخطوة تأتي على صعيد تدشين مسارات العلاقات الاستراتيجية بين موسكو وطهران، وخاصة أن دهقان شدد على أن إيران ستتسلم المنظومة في وقت قصير بعد التوقيع.
هذه الصفقة كانت سببا لجدل واسع، على الرغم من أن عقوبات الأمم المتحدة على إيران لم تكن تتضمنها. ولكن روسيا أوقفت إتمام الصفقة عام 2010 إبان فترة حكم الرئيس دميتري مدفيديف، مراعاة لبعض المواثيق التي تراعيها موسكو في علاقاتها بجميع الأطراف. وعلى الفور قامت إيران برفع دعوى أمام المحاكم الدولية المختصة بسبب تعليق إتمام صفقة تصدير 5 وحدات من منظومة صواريخ “إس – 300” إليها. وطالبت بتعويض قدره 4 مليارات دولار.
وفي أبريل/ نيسان 2015 قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتوقيع مرسوم رئاسي تم بموجبه إلغاء قرار الرئيس الروسي السابق مدفيديف، ومن ثم الإعلان عن توريد تلك الأنظمة الصاروخية المتطورة إلى إيران.
ولكن تصريحات الجانب الإيراني في 27 مايو/ آيار الماضي أثارت هواجس المراقبين والأوساط السياسية والدبلوماسية. إذ أكد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني إسماعيل كوثري أن سحب الدعوى القضائية التي أقامتها طهران ضد موسكو بعد امتناع الأخيرة عن تسليم منظومة صواريخ (إس – 300) سيكون حتمياً بعد تسليم المنظومة لإيران، منوها بعمق العلاقات بين البلدين. وأوضح كوثري بأن “الأمر محسوم وحتمي، فبعد إتمام روسيا لالتزاماتها وتسليم إيران منظومة (إس – 300) ستسقط الدعوى التي رفعتها طهران على موسكو”. وشدد في الوقت نفسه على أن “الدعوى كانت لعدم الوفاء بالتزامها وحين توفي بالتزامها ستلغى الدعوى”. وإمعانا في التأكيد على موقف طهران في ما يتعلق بموعد سحب الدعوى، قال كوثري إن “الأمور مرتبطة بوصول هذه المنظومة إلى بلادنا، حينها ستتخذ طهران الخطوة باتجاه سحب دعوتها القضائية”.
من جانبه أكَّد نائب رئيس مجلس إدارة اللجنة العسكرية – الصناعية الروسية أوليغ بوتشكاريوف أن روسيا ستصنع لإيران أنظمة جديدة من الصواريخ المضادة للطائرات من طراز “إس 300”. وأشار إلى أن العقد الموقع مع إيران، قد تمَّ تحديثه بموجب قرار من الرئيس الروسي، ولذلك سيتمُّ تسليم الصواريخ، بطبيعة الحال، من مصنع “ألماز — أنتي”، وليس من شركة “روس أوبورون إكسبورت”. غير أنه لم يتم الإفصاح عن أي تفاصيلٍ تتعلق بعملية التسليم بين الطرفين إلى الآن، علماً بأن نائب أمين مجلس الأمن القومي الروسي يفغيني لوكيانوف، قد صرح في وقت سابق بأن قرار التسليم قد تمَّ اتخاذه، ولكن التنفيذ سيستغرق بعض الوقت.
من الواضح أن الدور الذي لعبته موسكو في تسوية الملف النووي الإيراني، وتحويله من ملف مواجهة إلى ملف تفاوض سياسي، إلى أن انتهى الأمر بتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية، التي تعد روسيا أحد أقطابها، أقنع هذا الدور الساسة في طهران بأن موسكو لديها ملفات مبدئية بعيدة عن المساومات السياسية. ومن جهة أخرى تبدي الإدارة الروسية إرادة سياسية حقيقية لتدشين علاقات استراتيجية طويلة الأمد مع إيران.
وبالتالي، ليس غريبا أن يأتي الرد الإيراني بشكل فوري على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف أثناء وجوده في موسكو يوم الاثنين 17 أغسطس/آب الحالي، بأن روسيا هي الشريك الرئيسي لإيران فيما يخص التعاون في المجال النووي، متفقا بذلك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف بأن رفع العقوبات المفروضة على طهران سيزيل كافة العقبات التي تقف في طريق التعاون التجاري الاقتصادي مع موسكو، بما في ذلك في مجال النفط والغاز أيضا.
وإذا كان ظريف قد لوَّح بورقة مهمة، معربا عن أمله بأن يحصل التعاون الإيراني-الروسي في مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية دفعة قوية، فقد قال لافروف إن العقد الموقع بين روسيا وإيران لبناء 8 وحدات لتوليد الطاقة النووية سيساهم في تعزيز الاقتصاد الإيراني، مع ضمان الالتزام التام بنظام عدم الانتشار، واحترام حق إيران في البرنامج النووي السلمي.
هذه التصريحات تزامنت مع تصريحات مهمة لمساعد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي بأن بلاده تحتاج لبناء 11 محطة كهرذرية جديدة، على غرار محطة بوشهر، خلال الـ 12 عاما المقبلة بمساعدة الدول الغربية. وكشف عن توقيع عقد بناء مفاعلين نوويين مع روسيا، وأن العمل بهما سيبدأ في العام الحالي.
لقد التزمت روسيا بجميع قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن إيران، وفي الوقت نفسه لم تتخل عن طهران طوال سنوات العزلة. بل وفتحت العديد من القنوات السياسية والدبلوماسية أمام إيران من أجل تطبيع ملفها النووي. كل هذه الأدوار لا تلزم طهران بتحديد علاقاتها مع أطراف أخرى، ولا تمنعها من تنويع علاقاتها. والأمر يتوقف على الإرادة السياسية لإيران في تنفيذ مشروعاتها الوطنية واختيار شركائها.
من جهة أخرى، لا تزال طهران حذرة في التعامل مع الغرب رغم التصريحات السياسية المرنة والاستعداد للتعاون الاقتصادي مع جميع الأطراف. فقد أعلن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي أن الاتفاق النووي لن يؤدي الى خضوع البلاد للنفوذ الأمريكي سياسيا أو اقتصاديا، ولا ثقافيا. واعتبر المرشد أن “الأمريكيين يحاولون بسط نفوذهم في المنطقة وتمرير مخططاتهم”. كل ذلك يعني أن إيران قررت الانفتاح على الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا، بينما يتم التعامل بحذر مع الولايات المتحدة التي لا تزال تلوح بالعصا تارة، وبالجزرة تارة أخرى.
العلاقات الروسية – الإيرانية لا تقتصر فقط على المجالين العسكري – التقني والنووي السلمي، بل تتعداهما إلى مجالات أخرى، بما في ذلك تطوير البنية التحتية، وبناء السكك الحديدية، وزيادة توريدات المنتجات الزراعية من إيران إلى روسيا. وهو الأمر الذي يفتح آفاقا حقيقية لتعاون استرتيجي أكثر اتساعا وعمقا على المديين المتوسط والبعيد، وينعكس على المجالين الأمني والجيوسياسي لإشراك إيران في القضايا الحيوية، سواء في الشرق الأوسط أو في آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين.
أشرف الصباغ
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي