نشرت صحيفة “نيويورك تايمز”، خلال عطلة نهاية الاسبوع، تقريرًا حمل عنوان “ماذا نعرف عن موت أسامة بن لادن؟” للكاتب جوناثن ماهلر، الذي تناول الطريقة التي غطى بها الصحافيون هذا الحدث.
ركزّ التقرير، أولًا، على صحافيّين معروفين، مثل “مارك باودن” و “سيمور هيرش”، وطرح فكرة عن احتمال وجود امور لا نعرفها، أو مختلفة عن تلك التي وصفها المسؤولون بأنها “القصة الحقيقية” لهذا الحدث.
مارك باودن
“باودن” صحافي محترم جدًا، يبلغ الرابعة والستين من عمره، وهو مؤلفٌ لعدد من الكتب المهمة، مثل: “سقوط الصقر الاسود”، الكتاب الذي كسب شهرة واسعة النطاق، وحظي برواج كبير، وتميّز بقدرته على اخذ القارئ الى عمق الاحداث، وقد اعتمد في مصادره على مسؤولين حكوميين.
هناك، أيضا، كتابه عن “بن لادن”، والذي يحمل عنوان “النهاية”، وقد اعتمد فيه على مقابلات عديدة مع مسؤولين في واشنطن، وشرح قصة أصبحنا نعرفها، اليوم، جميعًا، والتي تتعلق بتفاصيل الملاحقة التي قامت بها وكالة المخابرات المركزية الاميركية لزعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، في باكستان … الخ.
سيمور هيرش
اما “هيرش”، بلغ الثامنة والسبعين من عمره، فهو صحفي عُرف بتحقيقاته الصحفية، حيث كان أول من نشر خبر مجزرة “ماي لاي” في فيتنام عام 1969، ثم كان اول من نشر خبر إساءة المعاملة بسجن “أبو غريب” في العراق، بعد ٣٥ عامًا.
وفي آيار الماضي، نشر تقريرًا عن “بن لادن”، رفضت نشره مجلة “ذا نيويوركر”، يتكون من عشرة الاف كلمة، ناقش فيها قصة نهاية “بن لادن” التي رواها “باودن” وآخرون.
شكوك
التقرير الذي نشره “ماهلر” يهتم بصحافة تبحث عن الحقائق المتوفرة بشأن العملية التي ادت الى مقتل “بن لادن”، ورغم أن “ماهلر” يُعطي الكثير من المساحة لقصة “هيرش” المناقضة، فمن الواضح أنه لا يصدق الكثير مما جاء فيها. وهو يصف بعض ادعاءات “هيرش” بالـ “غريبة”.
لكن “ماهلر” يثير، أيضًا، احتمالية بأن لا تكون القصة التي طرحها “باودن” الحقيقة الأخيرة، وبأن المسؤولين الحكوميين، الذين كانوا مصادر القصة، ربما لديهم اسباب تمنعهم من اعطاء كل التفاصيل.
معركة خاسرة
لكن الانتقاد الذي وجهه “باودن” و “بيرغن” الى “ماهلر”، وخاصة عبر “تويتر”، كان عنيفًا، و”باودن” ليس منزعجًا وحسب من قصة “ماهلر”، بل هو غاضب. وعندما تحدّثت اليه، ادان القصة لاعتمادها على نظريات المؤامرة، وقال: “امضيت حياة كاملة أحاول ان اعرف كيف تحدث الامور، ومثل هذه القصص تجعلني اشعر انها معركة خاسرة امام تكهنات صرفة، وامام نظريات تُطبخ انطلاقا من لا شيء”.
وعندما قلت له، ربما اخفى مسؤولون حكوميون امورًا أو غيّروا الحقائق، رفض باودن الفكرة تمامًا، وقال ان لديه مصادر كثيرة، وكان يجب على الكل ان يخبروه بنفس الكذبات، إن كان في الامر كذبة وهو تفكير في منتهى السذاجة.
الحقائق تظهر لاحقًا
اتذكر من تجربتي عندما أردتّ تأليف كتاب عن احداث وقعت داخل الحكومة في خريف 2010، نشرنا انا و “بيثاني ماكلين” كتاب “كل الشياطين هنا” عن الازمة المالية في عام 2008، وبعد العديد من المقابلات، مع مسؤولين حاليين وسابقين، كتبنا ما نعرف عن الاحداث التي كانت غامضة في ذلك الوقت.
وخلال خمسة سنوات، ظهرت معلومات جديدة، لكن كتابنا خلا منها لان المسؤولين لم يخبرونا بها بكل بساطة.
نشر “باودن” كتابه بعد مرور 18 شهرًا من الغارة على “بن لادن”، وهذه ليست بالفترة الطويلة، ولكن من الحتميّ والصادم، في الوقت نفسه، أن الحقائق تظهر لاحقا لتضيف او لتناقض القصة الاوليّة، بيد أن “باودن” لا يلام على ذلك، فقد قدم افضل كتاب يمكنه كتابته في تلك الظروف.
نحن محظوظون لوجود كتاب مثل “النهاية”، وهو كتاب رائع واقرب ما يكون الى الحقيقة التي تمكن “باودن” من الاقتراب منها. ولكن هل كل الحقائق صادقة؟ بالتأكيد لا. الصحافة “هي المسودة الاولى لكتب التاريخ”، كما يقول المثل. وفي العصر الحديث، ينطبق هذا على الكتب، كما ينطبق على أي نمط اخر من أنماط الصحافة.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي