السعودية تنسف بيان فيينا السوري أم تناور إقليمياً؟

محمد بلوط-


الرياض أعدمت فيينا وأعادت المسار السياسي السوري، الذي لم يقلع أصلاً، إلى نقطة الصفر، وأعادت اشتراط أي تفاوض برحيل الرئيس بشار الأسد في بداية المرحلة الانتقالية.

مؤتمر المعارضة السورية، في الرياض، الذي فشل في انتخاب وفد تفاوضي، فلجأ إلى تعيين هيئة عليا للإشراف على المفاوضات، والعمل على تعيين وفد مفاوض، قد يكون هو الهيئة نفسها في نهاية المطاف.

السعوديون أبلوا بلاء كبيراً في ذلك، وفي تفجير فيينا 2، الذي أرسى خريطة طريق للحل تؤجل البحث في الرئاسة السورية، وتعيد القرار فيها إلى الشعب السوري، وإلى آلية واضحة تمر عبر حكومة موسعة، فوقف لإطلاق النار، وتعديلات دستورية، وانتخابات حرة تحت رقابة دولية، في منتهى عملية تمتد 18 شهراً.

وفي السطور الأخيرة من بيانٍ نهائي عدَّد مبادئ عامة لسوريا المستقبل، بُعثت نبرة «الائتلافيين» السوريين العالية، في حديقة قصر الأمم المتحدة في جنيف، عندما كان ممثلوهم في المفاوضات يتناوبون أمام الصحافيين، على فرض شروط غير واقعية، تطالب الحكومة السورية بتسليم مفاتيح دمشق، حتى قبل أن تبدأ المفاوضات.

والواضح أن المثلث السعودي ـ التركي ـ القطري اختار في الرياض أن تستمر الحرب من دون أفق، واستنزاف الروس والسوريين والإيرانيين وحلفائهم إلى ما لا نهاية، ومواصلة الرهان على الميدان، وتسليح المجموعات «الجهادية»، وتدمير سوريا. ودس السعوديون لغمهم الكبير قبل إقفال البيان ببضعة أسطر، عندما طرح ما تم تجاوزه أصلاً في فيينا واشتراطه «أن يغادر بشار الأسد وأركان رموز حكمه سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية».

 

نص البيان الختامي لمؤتمر المعارضة السورية

وأنهى السعوديون في بيان المعارضة السورية أيضاً مؤتمر نيويورك حول سوريا، الذي أقر وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنه لن يعقد في 19 كانون الأول الحالي، بعد أسبوع من إعلانات غير واقعية عن انعقاده، آخرها قبل ثلاثة أيام مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، رغم أن وزارة الخارجية الروسية لم تتوقف عن نفي علمها بهذا اللقاء، والتعامل معه بكثير من التجاهل.

واضطر كيري إلى الاعتراف، في مؤتمر صحافي في باريس، أن الروس لن يحضروا هذا المؤتمر، بعد مكالمة هاتفية مع وزيرَي الخارجية الروسي سيرغي لافروف والسعودي عادل الجبير. وكان متوقعا ألا تحضر روسيا إلى نيويورك في ظل ما يجري تحضيره في الرياض، من تجاوز للتفويض المعطى للسعودية بتنظيم مشاورات المعارضة، لتأليف وفدها، وليس تأليف الوفد أو إنشاء ورقة سياسية تنسف ما تم الاتفاق عليه في فيينا. وكان لافروف قد أبلغ الجبير، في مكالمة هاتفية الإثنين الماضي، بفحوى الموقف الروسي الرافض لمؤتمر الرياض، وما سيصدر عنه.

أما الهيئة العليا للإشراف على المفاوضات فتعكس هيمنة سعودية – قطرية – تركية عبر دخول عشرة من ممثلي العسكر الذين يسلحهم ويمولهم المثلث إلى العملية السياسية عبر هذه الهيئة، واسترداد السعودية من اسطنبول، أخيرا، قرار المعارضة السورية وأعلى هيئاتها المستحدثة، عبر النص على الرياض مقراً ومرجعية لهذه الهيئة.

وإذا كان «الائتلاف» قد تراجع في الحضور في الهيئة، إلا أن نبرته في البيان النهائي، وما فرضه على التيارات الأخرى، لا سيما «هيئة التنسيق»، تعوضه عن المقاعد التي تخلى عنها. وحصل «الائتلافيون» على تسعة ممثلين في الهيئة، هم رياض حجاب، وفاروق طيفور، وجورج صبرا، وعبد الحكيم بشار، وسهير الأتاسي، ومنذر ماخوس، وخالد خوجة، ورياض سيف، وسالم المسلط. وخصصت «هيئة التنسيق» بخمسة ممثلين، هم منير بيطار، وصفوان عكاش، وأحمد عسراوي، وزياد أبو وطفة، ومحمد حجازي. واختار المؤتمرون أربعة ممثلين من عسكر «الجبهة الجنوبية»، ومثلهم من «الجبهة الشمالية»، وممثلاً عن كل من «أحرار الشام»، و «جيش الإسلام». ويحضر «المستقلون» في تسعة أسماء، هي أحمد الجربا، ولؤي صافي، وهند قبوات، وعبدو حسام الدين، ويحيى قضماني، ورياض نعسان آغا، وعبد العزيز الشلال، ولؤي حسين.

وقال رئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز بن صقر، الذي أدار جلسات المعارضة السورية، إن وفداً من المعارضة سيلتقي بمسؤولين من الحكومة في الأيام العشرة الأولى من كانون الثاني المقبل.

وفي وقت أكد فيه الملك السعودي سلمان، خلال استقباله في قصر العوجا بالدرعية في الرياض أعضاء المعارضة السورية، أن «السعودية حريصة على تحقيق الأمن والاستقرار والعدل في سوريا، وأن تعود بلداً آمنا مستقرا»، انتقد نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان اجتماع الرياض، معتبراً أن «مجموعات إرهابية على صلة بداعش تشارك في الاجتماع». وأضاف: «لن يسمح بأن تقدم مجموعات إرهابية نفسها باعتبارها معارضة معتدلة وأن تسعى إلى تحديد مصير سوريا والمنطقة. وحده الشعب السوري يقرر مصير بلاده».

ونجح المثلث القطري – التركي – السعودي «بغسل» حركة «أحرار الشام» من تهم الإرهاب والتكفير، واستخلاصها مسبقا من أيدي الروس الذين يطالبون بوضعها على لائحة الإرهاب، عبر دمجها في الرياض، وتعيين الناطق باسمها لبيب النحاس عضواً في الهيئة المشرفة على المفاوضات. وسيكون صعباً استبعاد هؤلاء بعد دمجهم في المسار السياسي، خصوصا أن الأميركيين قد مهّدوا الطريق إلى تدوير «أحرار الشام» و «غسلها» بالقول إن كل من يشارك في العملية السياسية ليس إرهابياً.

كما أن وزارة الخارجية الأميركية غسلت يدها من أمر «أحرار الشام»، والخلاف حول تصنيفها، بعد سقوط مؤتمر نيويورك، بالقول على لسان متحدث باسمه إن «السعودية هي من يقرر أي دور يعطى لأحرار الشام». ويعد هذا الفصيل، الذي خرج قادته وكوادره الكبار من رحم تنظيم «القاعدة»، هدفاً لمطلب روسي مستمر، لوضعه مع «جيش الإسلام»، على لائحة الإرهاب، التي كلف بها مؤتمر فيينا الأردن. ويعكس تصنيفه إرهابياً من عدمه أحد فصول الصراع الكبيرة بين الروس والأتراك في سوريا. فـ «أحرار الشام» أضخم فصيل «جهادي» يقاتل في سوريا، وهو ذراع تركيا الضاربة، وقطر بشكل خاص التي تسلحه وتموله وتدعمه كما قال وزير الخارجية القطري خالد العطية، معتبرا إياه فصيلاً معتدلاً، رغم سيطرة كوادر سعودية كثيرة على مواقع قيادية كبيرة فيه. وهو يضم ما بين 20 إلى 25 ألف مقاتل، يعد تصنيفهم إرهابيين أمراً مهماً بالنسبة إلى الروس، عندما تتوسع الحرب على الإرهاب، إذا ما قام التحالف المنشود، وضرب «جيش الفتح» الذي تشكل «أحرار الشام» مع «جبهة النصرة» عموده الفقري، وجبهة الحرب الأولى ضد الجيش السوري، التي ينبغي روسيًّا، تحييدها وضربها.

ويبدو اجتماع ثلاثي روسي – أميركي – أممي اليوم في جنيف، فرصة أخيرة ويائسة لإصلاح ما خربته الرياض، واستعادة المبادرة، إذ يلتقي في جنيف اليوم نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف مع مساعدة وزير الخارجية الأميركية آن باترسون والوسيط الأممي ستيفان دي ميستورا. وتقول مصادر مقربة من الجانب الروسي إن غاتيلوف ليس مكلفاً التفاوض مع الجانب الأميركي، وانما بإبلاغ الأميركيين بضرورة العودة إلى مسار فيينا، وترتيب الأولويات كما تم الاتفاق عليها في فيينا، والتي لا ينبغي أن تهددها المناورات السعودية السياسية.

ومن المتوقع أن يضع غاتيلوف على طاولة اللقاء في جنيف شروط موسكو المعروفة لمتابعة المسار السياسي الذي أطلقته، وتحتاج إليه لمواكبة عمليتها العسكرية في سوريا: تصنيف المجموعات المسلحة في سوريا وتحديد من هو إرهابي منها ومن هو ليس بإرهابي، وخصوصا «أحرار الشام» و «جيش الإسلام»، كي يتسنى لأي تحالف للإرهاب أن يقوم على إجماع واضح في تحديد الأعداء، وبعدها يجري الحديث بتشكيل وفد تفاوضي ممن لا يمثلون على اللائحة التي يعمل الأردن على اقتراحها. وإذا ما جرى التوصل إلى تفاهم أميركي – روسي في جنيف، فقد تنطلق العملية، وهو أمر مستبعد بعد الرياض وسقوط نيويورك، وقد يذهب اللقاء إلى تخفيف الخسائر وإخفاء الفشل، بتحديد مواعيد أخرى، لكن الحرب تستمر بانتظار ذلك، وسوريا تحترق.

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة