يعرف المصريون أنهم لا يملكون حق التعليق على أحكام القضاء في الصحف أو مواقع التواصل الاجتماعي، حسبما تقضي القاعدة القانونية التي تحصر التعليق فقط في إجراءات المحاكم. ولكنهم يعرفون أن القضاة أنفسهم يخالفون هذه القاعدة الذهبية ويتحدثون عن القضايا التي ينظرونها للصحف وقنوات التليفزيون، فاستغلوا هذا الخطأ القانوني للقضاة وحكم محكمة برد قاضي الإعدامات الشهير وأطلقوا حملة تطالب بوقف المستشار ناجي شحاتة، على مدى يومين من التدوين. ولم يوضح النشطاء من المخاطَب في عبارتهم “أوقفوا ناجي شحاتة” هل هو الرئيس السيسي أم مجلس القضاء الأعلى أم الرأي العام.
حكم محكمة استئناف القاهرة برد القاضي شحاتة عن نظر إحدى قضايا ما يسمى بالإرهاب والتي جاء في حيثياته أن: “المحكمة تستخلص أن المستشار ناجي شحاتة، لن يصدر حكمه عن حق وإنما سيصدر بتحيز و ميل، ولا تتوافر الحيدة لديه، وطلب الرد، وافق صحيح الواقع والقانون متعينا قبوله”، كان بمثابة شرارة أطلقت حملة واسعة للتدوين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر وصار هاشتاح “اوقفوا_ ناجي_شحاتة” عنوانا للفيس بوك وتويتر في مصر على مدى يومين .
ولم يكن هذا الحكم القضائي سوى أحد تداعيات حواره الشهير مع جريدة الوطن المصرية في كانون الأول من العام الماضي، والذي كشف فيه عن توجهاته السياسية، والتي طالت عددا كبيرا من المتهمين الذين أصدر بحقهم أحكاما قضائية، مما أثار العديد من التساؤلات عن مدي صلاحيته لنظر هذه القضايا في ظل وجود تعارض مع آراءه الشخصية.
وشن نشطاء موقع التواصل الاجتماعى “تويتر”، هجومًا حادًا على شحاتة، للتنديد بإفراطه في إصدار أحكام الإعدام والمؤبد والتى تبدو منحازة خاصة بعد تصريحاته المثيرة للجدل حول عدائه الشديد لثورة 25 يناير وكل من شارك فيها.
بداية الأزمة
وعن بداية الأزمة الحالية للمستشار شحاتة، يقول حافظ أبو سعده عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، إن الحوار الذي أجراه شحاتة يجعله غير صالح للتصدي للقضايا التي يحاكم فيها الأشخاص الذين ذكرهم، وهو ما أثار موجة من الغضب كونه المستشار الذي نظر معظم قضايا جماعة الإخوان المسلمين وأعضاء حركة 6 إبريل، وعدد من شباب الثورة.
وأكد أبو سعده، إن قبول محكمة الاستئناف لرد المستشار شحاتة جاء نتيجة لما قاله بالحوار، ويتوقع سعدة ان يكون هذا الحكم مصير كل القضايا التي سيتم تحويلها إلى دائرته، أو مدعاة لإلغاء كل الأحكام التي أصدرها من قبل، وذلك في مراحل التقاضي الأعلي أمام محاكم الاستئناف أو محكمة النقض.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ يمكن لأصحاب القضايا الذين تضرروا من أحكام شحاته أن يقاضوه بسبب انحيازاته، ما قد يسمح بإحالته إلى لجنة الصلاحية في المجلس الأعلى للقضاء بمصر والذي قد يوقفه عن العمل.
ويعرف المصريون أنه ربما لا يستجيب مجلس القضاء لهم ولكنهم يمارسون نوعا من الضغط على القيادات القضائية لاستكمال ما بدأته الاستئناف لمحاصرة القاضي المثير للجدل.
ويرى الفقيه الدستورى نور الدين علي، إن رد القاضي لا يمكن أن تقبل به المحكمة إلا إذا توفر لها سبب واضح يؤثر على حياد القاضي ويجعله في وضع يحول دون صدور حكم عادل في القضية ، وذلك وفقا لمواد قانوني المرافعات القضائية والإجراءات الجنائية، والتي تقول” إنه إذا كان بين القاضي وأحد الخصوم عداوة أو مودة رجح معها عدم استطاعة الحكم بغير ميل.”
وفي تلك الحالة حسبما يقول الفقيه الدستوري، لهافنتغون بوست عربي ، يعد القاضي غير صالح لنظر الدعوى وكان يتعين عليه منذ بدء المحاكمة التنحي فورا عن نظر الدعوى وهذا ما لم يفعله شحاتة في القضايا التي نظرها وبها خصوم له بحسب تصريحاته الإعلامية .
“مجلس التأديب والصلاحية”
وينتظر النشطاء في مصر من وراء الحملة أن تتم إحالة شحاته الى مجلس التأديب والصلاحية وهو بمثابة محكمة خاصة للقضاة، تختص بمساءلتهم تأديبيا، طبقا للمادة 98 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972، التي تنص على أن “تأديب القضاة بجميع درجاتهم يكون من اختصاص مجلس تأديب يتشكل من رئيس محكمة النقض «رئيسًا»، وعضوية أقدم ثلاثة من نواب رئيس محكمة النقض، وأقدم ثلاثة من رؤساء محاكم الاستئناف.
ومجلس الصلاحية يختص بمسألة فقدان القاضي لشرط من شروط “ولاية القضاء”، وتتراوح الأحكام بين عقوبتي اللوم أو العزل، أو البراءة، وهو الأمر الذي قد يكون قريبا في ظل الشكوي، التي تقدم بها المحامي طه عبد الجليل، ويتهم شحاتة فيها بمخالفة قانون السلطة القضائية والانخراط فى العمل السياسي، وهو الأمر الذى يعد مخالفا لكافة الأعراف والتقاليد القضائية وقرارات المجلس الأعلى للقضاء التى تحظر على القاضى تبنى وإبداء الرأى في الأمور السياسية والعامة، خاصة وأنه ينظر القضايا الخاصة بأحداث متهم فيها أعضاء تلك الحركات والكيانات السياسية.
وكانت بداية الدعوة للهاشتاغ من صفحة “خريطة حكم العسكر” على “فيسبوك” إلى التدوين عن انتهاكات القضاء، معتبرةً أنّ ناجي شحاتة هو وجه منظومة العدالة في عهد السيسي، مطلقةً هاشتاغ “#أوقفوا_ناجي_شحاتة” على “فيسبوك” و”تويتر”. ونشر الناشطون هذه المخالفات بالتفصيل على “فيسبوك”، وأطلقوا رسماً مركّباً يُظهر صورة شحاتة مع الهاشتاج، ونشروا لائحة بكل القضايا التي أصدر فيها أحكاما بالإعدام ، كما كتب أحد الناشطين.
وكتب الصحافي، الذي تعرّض لمحاولة اغتيال منذ شهر، أحمد جمال زيادة مغردا : “بيطالبونا دايمًا باحترام القضاء مع إن القضاء مبيحترمش نفسه، بيحسسونا إنهم ملايكة بأجنحة مع إن وجود واحد زي ناجي شحاتة في مهنة القضاء، أكبر إهانة للقضاء الشامخ، القضاء”، وسرد زيادة سلسلة من الانتهاكات لشحاتة بالإضافة إلى ما حصل معه خلال محاكمته.
وكانت الحقوقية والناشطة منى سيف من أكثر المغردين في هذه الحملة، فقد أعادت تغريد أغلب ما كتبه الناشطون. وكتبت سيف: “ناجي شحاته ظلمه كتير. هاتو اخواتنا من الزنازين”، و”الإعدام قبل المداولة.. ناجي شحاتة واخدها مقاولة”.
فيما شاركت الروائية الشهيرة أهداف سويف بالمشاركة في الحملة التي تم تدشينها، وقامت بتحويل صورة “البروفايل” الخاص بصفحتها على الفيس بوك الى الرسم الذي يحمل صورة القاضي شحاتة ومكتوب بها الهاشاج الشهير، وقامت بنشر بوست بعنوان “نفكركم باللي عمله ناجي شحاتة”.
من هو ناجي شحاتة؟
1.يشغل منصب رئيس الدائرة الخامسة بمحكمة جنايات الجيزة المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب وأحداث العنف والتجمهر منذ تموز 2013.
2.تخرج ناجي شحاتة في كلية الحقوق بجامعة القاهرة في العام 1972، ثم أصبح ضابطا بقوات الصاعقة في الجيش المصري حتى 1978.
3.عُيّن مديرا لنيابة الأحوال الشخصية، ثم التحق في العام 1979 بسلك القضاء بمحاكم شمال وجنوب القاهرة، ثم أصبح رئيسا لمحكمة استئناف أسيوط.
4.ومن أشهر القضايا التي نظرها شحاتة في عهد نظام مبارك هي قضية “السويركي” الذي اتهم بالجمع بين كثير من الزوجات وكان عضوا بالمحكمة التي تابعت قضية تنظيم الشوقيين بالفيوم بداية الثمانينات من القرن الماضي.
5.المستشار محمد ناجي شحاتة متهم بتزوير الانتخابات البرلمانية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، في دائرة الزرقا بدمياط.
6.يحظى بموكب من الحراسة الخاصة يعد الأكبر لأي قاض في تاريخ القضاء المصري، ويفوق في ذلك موكب تأمين النائب العام ووزير العدل، ويشبه تأمين رئيس الوزراء.
7.يسجل للمستشار شحاتة رقم غير مسبوق في عدد من الأحكام منها إصداره 204 أحكام بالإعدام، و274 حكما بالمؤبد، و56 حكما بالسجن بأحكام متفاوتة من 10 إلى 7سنوات ضد متهمين من بينهم أطفال، بمجموع أحكام وصل نحو 7395 سنة سجن، وذلك بحق 534 شخصا في أبرز 5 قضايا تولاها منذ توليه رئاسة دائرة الإرهاب.
(هافنغتون بوست)
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي