وباء عصري… يُهدِّد سكّان العالم

 
جنى جبور – لا تظننّ أنّ صعوبات حياتكم اليومية تبرّر أوجاع أعناقكم، فأجدادكم وجدّاتكم كانوا يشقون أضعاف جهدكم اليومي. ورغم ذلك غابت عن معظمهم مشكلات أوجاع العنق، ويبدو أنّ الراحة الزائدة التي تنعمون بها هي السبب الأساس لهذه الأوجاع.تُعتبر أوجاع العنق ومشكلاته مرض العصر، وهي ناتجة عن العوامل التكنولوجية والحياتية العصرية التي يعيشها معظم سكّان الأرض، إلّا أنّ حياة أسلافنا كانت أشقى وأصعب بأشواط من حياتنا الحالية، ورغم ذلك، غاب انتشار هذه المشكلة في المجتمعات القديمة، على عكس ما يشهده المجتمع الحديث اليوم.
 
التفسير الطبي
 
تناولت الـ«الجمهورية» هذا الموضوع وعالجته مع الأخصائي في جراحة العظام والمفاصل الدكتور فادي سعد، الذي استهلّ حديثه قائلاً: «آلام العنق هي المسبّب االأول لتوافد المرضى الى عياداتنا في الوقت الحالي، ويعود ذلك للأسباب المتنوّعة الكامنة خلف هذه الآلام. ويمكن أن يكون العنق نفسه هو السبب، أو يمكن أن يُشير إلى مشكلات صحّية أخرى، أو حتّى إلى وجود أورام في الدماغ».
 
ورم الدماغ ووجع العنق
 
وفي معلوماتٍ أكثر دقّة، شرح سعد أنّ أسباب وجع العنق تكون عادةً من مصدَرين: «المصدر الأول هو العنق نفسه، ويرتبط في هذه الحالة، بثلاثة أسباب رئيسة».
 
ويعدّد الأسباب بحسب جدّية كلّ منها:
 
– تشنّج العضل
– التكلّس
– الديسك
 
أمّا المصدر الثاني فهو بعيد من العنق، ويشير الى مشكلات أكثر جدّية، ويشرح أنّ السببب الرئيس والأكثر شيوعاً هو المشكلات العصبية التي ترتبط بها التشنّجات العصبية، بالإضافة إلى وجود ورم في الدماغ أو مشكلات صحّية أخرى، كنقص في الفيتامين «د» والمرارة…»
 
التشخيص
 
نصف الذين يعانون من أمراض العنق تكون مشكلتهم بسبب تشنّجاتٍ وأمراض عصبية أو أسباب نفسية، ولمعرفة سبب الوجع أو مصدره، على المريض التوجّه عند الطبيب المختصّ للكشف عليه.
 
إلى ذلك، يُكمل د. سعد حديثه ويخبر عن تفاصيل التشخيص، قائلاً: «في المرحلة الأولى، يُجرى الفحص السريري داخل عيادة الطبيب حيث نحاور المريض ونجعله يصف مشكلته، ونكون بذلك أنجزنا نصف التشخيص.
 
بعدها، يتمّ الكشف على المريض، لمعرفة ما إذا كانت هناك تشنّجات، فنكشف على حركة العنق اذا كانت ليّنة أو يابسة، وعلى حركته اللاإرادية «réflexe»، وعلى اليدين والرجلين، لمعرفة اذا كانت تعاني من ضعف في أطرافها، فنعلم عندها إذا كان المريض يعاني من الديسك».
 
ويؤكّد أنّ «50 في المئة من الحالات يتمّ تشخيصها من خلال الفحص السريري، ويبدأ العلاج بعدها. أما النصف الثاني من الحالات، وفي حال الشكّ بوجود سبب طبّي مسؤول عن وجع العنق، فيخضع للصور الشعاعية، وصور الرنين المغناطيسي، وبعض فحوصات الدم».
 
90 في المئة من الحالات يعانون من وجع، والبعض قد يعاني من «تصنيج» وقسم آخر قد يشعر بضعف أو طرف شلل في يديه أو رجليه مثلاً في حالات الديسك المتقدّم. ويقول إنّ «وجع العنق المرتبط بالأسباب العصبية والنفسية يترافق مع آلام في خلف الرأس».
 
نمط الحياة الصحّي
 
نمط حياتنا الحديث ليس أصعب من نمط عيش أسلافنا، حيث كان الرجال يجهدون في حمل الأثقال، والنساء بالاضافة الى عملهنّ المنزلي بالوسائل التقليدية كنّ يواظبن على خياطة الصوف ما يمكن أن يسبّب أوجاعاً في العنق.
 
ويشرح د. سعد أنه «لم نرَ مشكلات وجع العنق بهذا الانتشار الكثيف في المجتمعات البسيطة، فإنّ زيادة الأوجاع والتشنّجات الآن ناتجة عن تطوّر المجتمع ورفاهيته واعتماده الكامل على التكنولوجيا، وإنغماسه فيها، الامر الذي فاقم المشكلات العصبية المسبّبة لأوجاع العنق».
 
وأشار إلى أنّ «أسلوب حياتنا اليومي، وخصوصاً التوتر الموجود بكميّات هائلة، هو السبب الأساس لأوجاع العنق. فتطوّر نمط الحياة مرتبط حكماً بالتوتر الذي يسبّب أوجاعاً على مستوى العنق والظهر والمعدة، بالإضافة الى الإفراط في استعمال وسائل التكنولوجيا بطريقة لا تحترم الوضعية المناسبة للعنق».
 
بعض النصائح
 
لا يخفى على أحد أهمية التمارين الرياضية، وينصح سعد بـ»وجوب القيام بالتمارين الرياضية، وخصوصاً تمارين العنق التي تحدّ من آلام الرقبة وتبعد منّا خطر الإصابة، وتخفّف التوتر».
 
كما ينصح بمعالجة التوتر «من خلال اليوغا، والقراءة، والاستماع الى الموسيقى…»، مشدّداً على «ضرورة احترام وضعية العنق في طريقة الجلوس، بحيث أن يكون العنق مستقيماً خلال مشاهدتنا التلفزيون أو العمل على الكومبيوتر، أو استعمال الهاتف الذكي… فمن الضروري أن يكون الجهاز الذي نستعمله مقابل أعيننا، للحدّ من أوجاع العنق».
 
أنواع العلاج
 
يكون علاج الآم العنق، بحسب مصدر الوجع، وتتوفر 3 طرق لذلك، ويعدّدها:
 
• العلاج بالأدوية: مسكّنات الألم ، مضادات الالتهابات، الادوية المرخية للعضل..
• التمارين الرياضية والعلاج الفيزيائي
• العمليات الجراحية، عند فشل العلاجين السابقين، في حالات الديسك وبعض الأورام في العنق…
 
تفاصيل العلاج الفيزيائي
 
بدوره، عبّر الأخصائي في العلاج الفيزيائي الدكتور ريمون صهيون عن مشكلة وجع العنق، قائلاً: «يُعتبر تشنّج العضل مرض العصر عند 70 في المئة من أفراد المجتمع، وهو ناتج عن الجلوس بطرق غير صحيحة ولا تراعي فقرات سلسلة الظهر معظم الأحيان، كالجلوس على الكومبيوتر أو خلال القيادة، أو عند استعمال الهاتف العصري والـ«اي باد»، فيعتمدون وضعية الرأس المنخفضة التي لا تحترم العمود الفقري، ما يسبّب مشكلات وأوجاعاً على مستوى العنق. ناصحاً بـ «اعتماد تثبيت الوسائل التكنولوجية على مستوى العينين للحدّ من هذه المشكلة».
 
ومن جهة ثانية، ينصح بـ»تحسين وضعية الجلوس والنوم، وممارسة التمارين الرياضية بشكل دوري، كلها خطوات مهمة جدّاّ على مستوى فقرات العنق والعمود الفقري».
 
وعن العلاج الفيزيائي، شرح د. صهيون وجود 3 خطوات لتليين العضلات، يمكن تنفيذها من خلال جلسات مدّتها 30 الى 45 دقيقة، على مدة 10 جلسات كمعدّل عام، ويعدّدها على الشكل الآتي:
 
• التدليك الفيزيائي
• الآلات الكهرابائية التي تعالج العصب والدورة الدموية فيه
• تمارين التمدد وتحريك الفقرات يدوياً
 
هل يشفي العلاج الفيزيائي؟
 
يجيب د. صهيون «إذا كان السبب أوجاع في العضل، فيمكن أن نتكلّم عندها عن شفاء كامل، لكن اذا كان السبب الرئيس هو الديسك مثلاً، فالعلاج الفيزيائي عندها يعالج العوارض». مضيفاً: «في هذه الحال، ننصح المريض بالعيش في نمط حياة يحافظ خلاله على التحسّن الذي لمسه من خلال العلاج».
 
التدليك الاسترخائي Massage
 
واختتم حديثه قائلاً: «البعض يتكلم عن الطب البديل، من خلال الوخز الصيني أو أساليب اخرى. هذه الطرق غير مثبتة فعاليتها طبّياً، لكنها قد تريحهم حسب قولهم». مضيفاً أنّ «التدليك الاسترخائي في المنتجعات، ليس هادفاً، وبالتالي لا يُعتبر علاجاً.
 
فالأخير لا يعالج المشكلة الطبية في حال وُجدت، بل يرخي العضلات، يعالج مشكلة التوتر، وينشط الدورة الدموية، فيرتاح إثرها مَن يعاني من تشنجات خفيفة، وبالتالي لا يكون الأخير «مريضاً» فعلياً.

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق