أنا كاهن كاثوليكي بسيط وسعيد وفخور بدعوتي. أعيش في أنغولا منذ عشرين عاماً ولا أحمل معي سوى كلمة الله. بعد أن تناولت صحيفتكم موضوع تحرّش الكهنة بالأطفال بشكّل مضخّم وغير قريب من الواقع شعرت أنه من الضروري أن أتشارك والعالم كما صحيفتكم قصصاً تسلّط الضّوء أيضاً على حياة عدد من الكهنة. ولكن دون تضخيم هذه المرّة.
منذ عشرات السنين والإعلام يتناول حالات التّجاوزات الجنسية التي ارتكبها عدد من الكهنة في بلدان مختلفة، لا خلاف في ما بيننا يا صديقي حول إدانة هذه التّصرفات إلّا أن المشكلة تكمن في طرق معالجة هذا الموضوع، فبعض المعالجات الإعلامية تكون متوازنة فيما يتم تضخيم حالات أخرى الى درجة التحيّز وحتى إظهار مشاعر الكراهية.
ينتابني حزن عميق لرؤية من كان عليهم أن يحملوا حبّ الله في قلوبهم يتحولون من كهنة الى خناجر تطعن قلوب الأبرياء، لا يوجد أي كلام لتبرير هذه الأفعال، ولا شكّ في أن الكنيسة تقف دائماً في هذه الحالة الى جانب الضّعفاء.
لذلك تُعتبر كل الإجراءات التي يجب اتخاذها لحماية كرامة الأطفال من الأولويات المطلقة في الكنيسة.
أمام هذا الإهتمام الزّائد بقضايا التحرّش الجنسي المتعلقة بالكهنة نلاحظ شحّاً في الأخبار التي تغطّي التضحيات التي يقدمها الكهنة من أجل ملايين الأطفال والمراهقين والأشخاص الأكثر حرمانًا في كل بقع الأرض.
أعتقد أن صحيفتكم التي تسرع الى نشر وتضخيم خبر يطال أفعال كاهن ما لن تهتم لذكر أي من الحقائق التّالية:
في عام 2002 وخلال الحرب التي اندلعت بين كانغومبي ولونا(أنغولا) عبرت بالكثير من الأطفال الجياع طرقات مزروعة بالألغام. آنذاك تعذّر على الحكومة القيام بهذه العملية ولم يسمح للجمعيات غير الحكومية بنقل الأطفال.
عشرات الأطفال دفنوا على يدي بعد أن فقدوا حياتهم أثناء نزوحهم مع عائلاتهم خلال الحرب.
قمنا بإنقاذ حياة الآلاف من خلال مركز صحّي واحد في منطقة مساحتها 90000 كيلومترا مربعا. حيث أستطعنا من خلال هذا المركز توزيع الغذاء والبذور.
تمكنّا من تأمين المدارس والتّعليم لمئة وعشرة آلاف طفل على مدى العقد الماضي.
تمكنّا من إنقاذ 15000 طفلًا من مخيمات المسلحين.
ليس بالأمر المثير لاهتمامكم أن يعتني الأب روبيرتو ذو الخمسة والسّبعون عاماً بأطفال الشّوارع في لواندا. الأب كان يصطحبهم الى مركز للرعاية ويحرص على إزالة السّموم من أمعائهم جرّاء ابتلاعهم البنزين خلال تدربهم على النّفخ بالنّار علّهم يمارسون هذه المهنة في وقت لاحق.
كم من كهنة قاموا بمحي الأميّة لدى السّجناء، فيما يعمل كهنة آخرون مثال الأب ستيفان على تأمين بيوت للشباب يلجأ إليها كل من تعرّض للإساءة أو الضرب أو حتى الإغتصاب.
رغم تقدّم سنّه يصرّ الأب ماياتو الثمانيني على زيارة بيوت الفقراء ومواساة المرضى ومن يشعرون باليأس.
أن يترك ستون ألف كاهناً أرضهم وبلدهم وأن يتبعوا رسالتهم في خدمة الإنسان أينما كان أمر لا يستحق التّغطية الإعلامية!!!
نعم نحو ستون ألف كاهناً اليوم تركوا كل شيء وراءهم وتفرغوا لخدمة إخوانهم في المستشفيات ومخيمات اللّاجئين ودورالأيتام ومدارس الفقراء ومراكز العناية بمرضى السيدا.
أضف الى كل ما تقدّم من الأحداث التي لا تحصل على حقّها في الإعلام كسيرة صديقي الأب مارك أوريل الذي أنقذ حياة آلاف الأطفال خلال الحرب في أنغولا. الأب ساهم في نقل الأطفال من كالولو الى دوندو وتعرّض خلال آداء خدمته الى عملية إطلاق نار.
الأب مارك نجا بأعوبة من هذا الحادث فيما توفي الأخ فرنسوا ومعه خمس سيدات تعليم مسيحي في حادث فيما كانوا يقدمون المساعدة لأبناء المناطق الرّيفية والنّائية.
هذا ناهيك عن عشرات المرسلين الذين توفوا في أنغولا بسبب الملاريا ونقص الموارد الصحيّة.
كما ولاقى عدد من الكهنة حتفهم بسبب انفجار لغم داسوا عليه عن طريق الخطأ أثناء تفقدّهم المؤمنين، إشارة الى أن المقبرة في كالولو تحتضن جثامين الكهنة الذين قدموا حياتهم فداءً للخدمة؛ عمر هؤلاء للأسف لم يتخط الأربعين عاما.
لا أحاول من خلال هذا المقال أن أقدّم مادة إعلامية للفت الأنظار بل أحاول تقديم رسالة مفرحة وإيجابية. رسالةٌ بدأت بصمت خلال ليلة الفصح.
فالشّجرة التي تقع تصدر ضجيجاً فيما تنمو الأخرة بصمت.
وهذا ما يحصل اليوم في الإعلام حيث يسلّط الضّوء دائماً على الكهنة الذين يقعون في التّجربة فيما يصرف النّظر عن من ضحّوا بحياتهم في خدمة الإنسانية.
إن الكاهن ليس رجلاً خارقاً ولا شخصًا يعاني من عقد نفسيّة، إنّه ببساطة رجل عادي يحاول من خلال طبيعته البشرية أن يتبع يسوع ويخدم إخوته في الإنسانية.
لذا يا عزيزي الصحافي أنا أطلب منك فقط البحث عن الحقيقة وعن الخير والجمال كي يعلو شأنك وتتقدّم في مهنتك.
سلام المسيح،
الأب مارتان لازارت
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي