إيران: الخلاف لا يعني سحب الاعتراف

هتاف دهام –

 يَسِم الغموضُ الواقعَ التركي بعد الانقلاب الفاشل المرتبط بدوافع داخلية، منها خلافات الإسلاميين بين الداعية فتح الله غولن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جهة، وخلافات داخل حزب العدالة والتنمية كالخلاف بين الرئيس التركي السابق عبد الله غول مع أردوغان ومن بعده رئيس الحكومة أحمد داوود اوغلو، اللذين تركا الحكم.

لم يحصل ذلك بمعزل عن التوقيت الخارجي الأميركي – “الإسرائيلي” البعيد عن التأثير السعودي. لا تملك المملكة القدرة على التحفيز لحدوثه. تعجز عن افتعال حالة كهذه داخل جيش كبير يرفض السلفية والتطرف ومن أكثر المعارضين للسياسة التركية في تحالفها مع الرياض في الملف السوري. لم تحظَ سياسة أردوغان بترحيب عسكري تركي يعارض تغيير ملامح المدن التركية.

لا شك في أنّ الموقف الإيراني من الانقلاب الفاشل في تركيا كان صادماً للوهلة الأولى. لكن سرعان ما زال الالتباس. ما يحكم العلاقة بين الطرفين يعود إلى أكثر من مئة عام. أقامت إيران وتركيا نمطاً خاصاً بينهما منذ أكثر من 100 عام بعد صراعات طويلة بين الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية. بعدها حافطت العلاقة بين أنقرة وطهران على نسق من الديمومة وحسن الجوار. استفادت من عِبر الماضي المرير. اعتُمدت هذه القاعدة في القرن العشرين وصولاً إلى الثورة الإسلامية عام 1979. في وقت عانت تركيا من انقلاب عسكري عام 1980 بقيادة كنعان ايفرين. تلاه تصاعد آفاق العلاقة التركية – الإيرانية إلى مرحلة ذهبية في عهد الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان بين العامين 1995 ــ 1997. نسج أربكان علاقة إسلامية – إسلامية بين الجمهوريتين خارج أية حساسيات مذهبية أو طائفية. ما أوصل حزب العدالة والتنمية في تشرين الأول 2002 إلى السلطة، فتشكلت بوصوله لحظة تحوّل في السياق الإيجابي بين الشعبين.

أتى أردوغان من رحم هذه السياسات إلى الزعامة التركية. حاول في لحظة معينة تجسيد شكل الإسلام الأطلسي الذي يحكم تركيا كما أراده جورج بوش الإبن نموذجاً يُحتذى للإسلام الذي تحبّذه الولايات المتحدة.

رغم ذلك يُسجل للأتراك أنهم استفادوا من محاولة الحصار الاقتصادي الغربي لإيران والعقوبات الجائرة ضدّها والفائدة الكبرى منها. فتمّ إنشاء ما سُمّي بالاقتصاد الموازي بين الطرفين. خفف ذلك من الأعباء عن كاهل الإيرانيين. أمّن أرباحاً هائلة للأتراك في ظلّ سياسة الطاقة المنخفضة السعر. كان ذلك سبباً أساسياً من أسباب ازدهار تركيا في عهود حكومات العدالة والتنمية.

مع بداية الأزمة السورية عام 2011 حصل الانفصال الكبير بين طهران وأنقرة. مثلت تركيا لأول مرة خياراً أخرج نفق العلاقة من حالة الفوائد المتبادلة، بعدما كانت ترمي السلبيات جانباً وتعمل على تفعيل الإيجابيات. دخلت في مؤامرة كبرى ضدّ سورية الحليف التاريخي للجمهورية الإسلامية في المنطقة.

أبقى الإيراني على لغة حوار مع أردوغان، رغم الانخراط التركي المؤثر في تفكيك سورية وضرب محور المقاومة. حافظ على وتيرة من العلاقة الاقتصادية بالدرجة الأولى والسياسية بالحدّ الأدنى. لم تنفجر قنوات التواصل ارتكازاً على عناوين الخلاف، إنما حافظت على سوية منخفضة من مصالح التلاقي.

استدعت الحالة الانقلابية في اسطنبول دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومي الإيراني. أكد أمين المجلس علي شمخاني رفض الانقلاب وتأييد الحكومة الشرعية التركية”، ولفت إلى أنّ خيار بلاده ترجيح الديمقراطية في تركيا على الانقلاب الناقص الفاشل وغير الشعبي”. وقال مستشار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إنّ “رجب طيب أردوغان وبشار الأسد رئيسان شرعيان وصلا سدة الحكم بالسبل الديمقراطية وبأصوات الشعب”.

بَنَت إيران موقفها هذا على قواعد ثلاث. أرادت أن تكون وفية لعلاقات الدول واحترام القانون الدولي. اعتبرت أنّ الحكومة التي تعرّضت للانقلاب هي حكومة منتخبة أولاً بغضّ النظر عن طابعها الإسلامي. أما الإرث التاريخي من علاقتها بالإخوان المسلمين فخضع لخيبات ونجاحات كانت مفيدة في فلسطين وسيئة في العراق وسورية وأماكن أخرى. لم يكن الاعتبار الإخواني الإسلامي الجوهر في السياسة الإيرانية. هكذا ما ترفضه لغيرها لا تقبله لنفسها، مؤكدة علاقة الجوار ومحاكاة التاريخ ولغة المصالح.

كان الموقف الإيراني منذ اللحظة الاولى للانقلاب هو الأكثر وضوحاً وشفافية في العالم. ارتكز على رؤية صلبة تخضع لثوابت وليس على تكتيكات آنية ومحاولات استثمار. بعيداً من كلّ الأذى الذي تعرّض له حلف المقاومة وسورية وإيران من السياسة التركية في المنطقة الذي وصل بالأتراك إلى حدّ احتضان منظمات إرهابية والتحالف مع السعودية لمحاولة إسقاط الرئيس السوري من خلال أخطر مكوّنين ميدانيين في سورية هما جيش الفتح، بزعامة جبهة النصرة. تعاونت أنقرة والرياض على تشكيله في 6 نيسان 2014 خلال زيارة ولي العهد محمد بن نايف إلى اسطنبول، وتنظيم داعش المستمدّ شرايين الحياة والنفط والمال والاقتصاد من القناة التركية.

رفضت طهران الانقلاب على الأكثرية الديمقراطية المنتخبة من الشعب. لن تدعم، كما يقول مصدر مطلع على الموقف الإيراني، جهة مجهولة غير معروفة في حركتها وأهدافها، مقابل حكومة ترتبط معها بعلاقات اقتصادية ومفاوضات وحوار. لا تكرّس الجمهورية الإسلامية سياسة إذا كنا على خلاف مع رئيس معيّن نسهّل الإطاحة بنظامه. لا يبرّر الخلاف سحب الاعتراف. هكذا وجّهت للرئيس التركي رسائل من خلفية سورية ندعمك لأنك رئيس شرعي، كما ندعم الأسد لأنه رئيس شرعي.

إنّ المشكلة مع تركيا، كما يقول المصدر السابق ذكره، تكمن في تصدير “الجهاديين”، فهم يعبرون حدودها إلى سورية، وتعتبرهم وسيلة من وسائل الضغط على دمشق، للحصول على مقابل في ملف الأكراد والتركمان. كذلك يلفت المصدر إلى “أنّ الحالة الكردية ستشكل ملفاً من أكبر ملفات التقارب المستقبلي بين سورية وتركيا وإيران، متحدثاً عن لقاء عقد بوساطة جزائرية بين شخصيات سورية وتركية في الجزائر. يأتي ذلك عشية تسليم الاستخبارات الغربية والأوروبية بأهمية التنسيق الأمني مع سورية، ورغبة حقيقية في عقد لقاءات مع اللواء علي المملوك، شرط أن تكون غير معلنة.

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة